المشهد اليمني

”رأس امرأة من مرمر سبأ في مزاد فيينا: هل تُباع هوية اليمن بينما تغفو مؤسساته؟”

الجمعة 24 أكتوبر 2025 10:47 مـ 3 جمادى أول 1447 هـ
الاثار اليمنية
الاثار اليمنية

في تطور يُعيد تسليط الضوء على مأساة تسريب الآثار اليمنية إلى الخارج، كشف الخبير الأثري اليمني عبدالله محسن عن عرض ثلاث قطع أثرية يمنية نادرة في مزاد دولي يُقام في العاصمة النمساوية فيينا، يوم 21 نوفمبر 2025، تحت عنوان "الآثار الجميلة والفنون القديمة"، الذي تنظمه جاليري زاكي.

وبحسب ما أفاد به محسن في منشورٍ تفصيلي، فإن القطع المعروضة تنتمي إلى مجموعات متحفية عالمية مرموقة، من بينها متحف موجان للفنون الكلاسيكية في الريفييرا الفرنسية، ومتحف زيلنيك استفان للذهب في جنوب شرق آسيا، إضافة إلى مقتنيات خاصة لهواة جمع عالميين بارزين مثل تشارلز إيدي، روبرت وايس، جون إسكينازي، فايز بركات، وآل هارتمان.

قطعة من القرن الأول قبل الميلاد تُعيد كتابة سرديات الحضارة اليمنية

من بين القطع الثلاث، تبرز منحوتة مرمرية يعود تاريخها إلى القرن الأول قبل الميلاد، تمثّل رأس امرأة بملامح دقيقة: أنف طويل مستقيم، ذقن مدبب، شفتان بارزتان، وعينان لوزيتان واسعتان. ويبلغ ارتفاع القطعة 18.5 سم، ووزنها 4 كيلوجرامات.

ويشير كاتالوج المزاد إلى أن "رؤوس المرمر من هذا النوع كانت تُجهّز بالجبس وتُزيّن بالزجاج أو الأحجار الكريمة، ثم تُثبّت على لوحات حجرية منقوشة لتُوضع في أماكن مرتفعة داخل المقابر". ويشير الكاتالوج كذلك إلى أن أغلب هذه القطع اكتُشفت في ممالك اليمن القديم، خصوصًا قتبان (تُمنّع/بيحان) وسبأ (مأرب)، ما يُثبت أن الطقوس الجنائزية والنحت التذكاري كانا جزءًا لا يتجزأ من الثقافة الجنائزية في جنوب الجزيرة العربية.

وأوضح المزاد أن قطعًا مشابهة محفوظة حاليًا في المتحف البريطاني ومتحف اللوفر، وتُستخدم كـ"علامات قبور أو رموز للمكانة الاجتماعية" في الحضارات اليمنية القديمة.

تساؤلات حول الشرعية القانونية لخروج القطع من اليمن

وأكد محسن أن القطعة الرئيسية مملوكة حاليًا لـغاليري ساماركاند في باريس، الذي يديره جوزيف أوزان، وقد اشتراها من مجموعة سويسرية خاصة مع وثيقة تثبت أن المالك السابق اقتناها قبل عام 1971. كما أرفق المزاد مذكرة مؤرخة في 2 ديسمبر 2011 موجهة إلى الغاليري تؤكد ملكيته للقطعة.

غير أن محسن أشار إلى أن غياب أي وثائق رسمية تثبت خروج القطعة من اليمن بطريقة قانونية يثير تساؤلات جوهرية حول الشرعية الأخلاقية والقانونية لعرضها في مزاد علني. ولفت إلى أن غاليري ساماركاند "معروف بتزويد متاحف عالمية كبرى مثل اللوفر، غيميه، والمتروبوليتان بقطع أثرية شرقية وإسلامية"، ما يعمّق المخاوف من استمرار تسريب التراث اليمني تحت غطاء "المشروعية الفنية".

سبأ... إمبراطورية العطور التي شكّلت الاقتصاد الإقليمي

وفي سياق ذي صلة، نقل المزاد عن خبير آثار قوله إن مملكة سبأ كانت "تتحكم في طرق تجارة البخور واللبان والمر من جنوب الجزيرة العربية إلى البحر المتوسط"، عبر ممرات استراتيجية تمتد من مأرب إلى شبوة وقنا (بئر علي)، ثم إلى البحر الأحمر. وأضاف أن سبأ "استفادت من الجمارك والدبلوماسية والتجارة الدينية التي أقرتها المعابد لتزويد الأسواق الرومانية والمصرية بمنتجاتها في ذروة الطلب".

وأكد أن "إتقان سبأ لتجارة العطور جعلها ركيزة أساسية للاقتصاد الإقليمي في أواخر العصر الهلنستي، وأثرها الثقافي امتد إلى حوض البحر المتوسط بأكمله".

نداء عاجل لاستعادة الذاكرة الحضارية

وحذّر عبدالله محسن من استمرار عرض وبيع القطع الأثرية اليمنية في المزادات الدولية دون أي تدخل رسمي من الحكومة اليمنية أو المؤسسات الثقافية المعنية، مؤكدًا أن "كل قطعة تُعرض في هذه المزادات هي خسارة لجزء من الذاكرة الحضارية لليمن".

وأضاف بلهجة مؤثرة:

"ما يُعرض اليوم ليس مجرد فن قديم، بل تاريخ وهوية وإنسان".

ودعا محسن الجهات اليمنية والدولية إلى التحرك العاجل لوقف بيع الآثار اليمنية، وتفعيل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحماية التراث الثقافي، مثل اتفاقية اليونسكو لعام 1970، واستعادة ما يمكن استعادته من هذه الكنوز المنهوبة أو المُهربة.