المشهد اليمني

طمس الهوية ومحو الرمزية… من ”قاعدة الديلمي” إلى ”شيبة الحمد”!

الأحد 26 أكتوبر 2025 12:32 مـ 5 جمادى أول 1447 هـ
طمس الهوية ومحو الرمزية… من ”قاعدة الديلمي” إلى ”شيبة الحمد”!

لمسميات المدن والوديان والقلاع والحصون والمباني والمرافق العامة والمساجد والمراكز والمتاحف والمسارح وغيرها، أهمية خاصة في وجدان الشعوب، ورمزية عالية في أذهان المجتمعات، حيث تُعزز الهوية وتٌرسّخ الانتماء وتُجذّر الذات وتثبّت الذاكرة الوطنية، ولها دلالتها التاريخية ورمزيتها الحضارية وتراثها الثقافي، التي من شأنها حفظ الأرومة وتشييد الهوية ومد جسور الترابط والشعور المشترك بالانتماء والولاء للأرض والإنسان.

ثم أن اعتماد تسمية المرافق العامة بمختلف أنواعها تمر بمراحل طويلة وإجراءات مُشدّدة، وليست قائمة على الاعتباطية والعشوائية والتدّجين؛ حتى ولو كانت تلك المشاريع مدعومة من جهات مانحة أو مساعدات خارجية أو تبرعات أو هيئات داعمة!. أما إذا كانت تلك الأماكن يتم زيارتها لخمس مرات في اليوم، ويدخلها النشء لأخذ العظة والعبرة، ويجلس فيها الشباب للاستماع للنصائح والإصغاء للإرشادات؛ فإنها ذات أهمية عالية ومكانة خاصة، تُحتم بأن يتم تسميتها بأسماء ذات هوية سبئية حِميّرية.

والمثير للأستغراب والسخرية معًا، أنه أصبح المُتنقل في أحياء وضواحي ومدن وقرى وأسواق اليمن يشعر أنه في الديلم أو قُم أو طبرستان أو أذربيجان أو شعبة من شعاب الحجاز؛ وكأن أرض سبأ وحِميّر خالية من الأسماء التاريخية، وقاحلة من القادة العظماء، وجرداء من القامات الفكرية، وجدباء من الهامات الثقافية، وفقيرة من المنارات الأدبية، ومُنعدمة من المعاني الحضارية!.

كما أن السائر المتمعن في بعض مناطق اليمن سيجد أسماء عجيبة مُحيرة متمثلة بـ: قاعدة الديلمي، وحوض الأشراف، ومدرسة الكبسي، وحارة الطبري، ومركز بدر، ودار الحسين، وجرف الشامي، وبير علي، وساقية الزهراء، ومستشفى المتوكل، وقبة المهدي، وقبة الحسين بن قاسم، ومسجد المحطوري، ومصلى المؤيد، وجامع الهادي، وسوق العيدروس، وعقبة الهيج، ومقبرة خزيمة، وحرف سادة، والمدرسة الشمسية (نسبة لـ شمس الدين بن شرف الدين)، وأضرحة المتوكل والعلوي والمطهر، ومركز إسحاق، ومزارع الأمير، ومعسكر بن الوليد، ومدرعة حميضة، ووادي الحسيني، ومنارة الجفري، و فَنَار الحكيم، ومديرية الزيدية، وعزلة الحمزات، وجبل الشرفين، وقرية حيدرة، وغيرها، وصولاً إلى "شيبة الحمد" في قلب عاصمة أرض سبأ!

وأنطلاقًا من أهمية المسميات المرتبطة بالهوية والانتماء والرمزية، فإنه يجب أن تكون جميع مسميات المرافق العامة بمختلف أشكالها وتعدد أنواعها مرتبطة بأسماء قادة الحركات الوطنية من أحفاد سبأ وحِميّر، وقادة الفتوحات الإسلامية من اليمنيين، وكُنى ملوك اليمن من المكاربة والتبابعة والأقيال والأذواء، ورموز القبائل اليمنية المذحجية والأزدية والحِميّرية والكندية والهمدانية، وصولاً لأسماء مناطق المعارك التاريخية التي قامت لمقارعة دخلاء الكهنوتية السلالية. لذا، نريد أن نرى مسجد عبهلة، وجامع معد كرب، ومصلى ذو كلاع، ومركز يثع، وقلعة خثغم، وحصن كربئيل وتر، وساحة كرب إيل، ومنارة الهمداني، وفنار الحِميّري، وأكاديمية القردعي، وشارع البيضاني المرادي، وجامعة الشدادي، وقاعة العليي، ومتحف الدعيس، ومعسكر جواس، وصرح بحيبح، ومدرعة الزرنوقي، ومطار شعلان،…إلخ؛ وقطعًا أن الإرادة سوف تتحول إلى واقع ملموس مع مرور الوقت بأيدي القومية اليمنية.

قبل الختام، قرصة أُذُن مع قبضة عُنق لكافة المُؤدلجين المتواجدين في أرض مأرب، والمُتحججين بأن تلك المسميات مستمدة لمشايخ ومُحَدِّثين وعلماء؛ نقول لهم بأن أرض سبأ وحِميّر غنية ودفاقة بأسماء المشايخ والعلماء والمُحَدِّثين، فانهلوا منها وسموا كافة المرافق بأسمائها!. وهمسة في آذان أبناء مأرب، لقد اشتهر أحفاد سبأ وحِميّر بالعديد من الصفات والخصال والمهارات، ونقلوا ميراث خبراتهم الحضارية إلى أكثر من قطر عربي، ومنها شهرة تخطيط المدن، وأشارت معظم المؤلفات التاريخية بأن من خطط مدينة "حمص التاريخية" هو "شريك المرادي"، وقد ظلت تلك النفحة التخطيطية الحضارية نذير شؤوم تطارد دخلاء الكهنة وتقاوم السلالية، حتى خلعتهم من الجذور!.

ختامًا، القومية اليمنية بـ أقيالها سوف تستعيد الهوية، وتٌعزز الانتماء، وتنمي الولاء للوطن، وتعيد تشييد الذات اليمنية، وسوف تسترجع المسميات الصحيحة للمرافق العامة بمخلتف أنواعها وتعدد أشكالها، وسوف تَطَهُّرالمسميات الدخيلة وتزيل الأسماء النكرة من أرض سبأ وحِميّر!. إضافة لذلك، لا بأس من تسمية أماكن تكديس النفايات، والحمامات العامة، وملتقى مياه الصرف الصحي، ومواقع بيع المواشي، بأسماء دخلاء الكهنوتية السلالية؛ وذلك كرمزية بسيطة على دنائتهم وخستهم ولؤمهم ونجاستهم وقذارتهم تجاه اليد التي امتدت لهم والأرض التي احتضنتهم!.