المشهد اليمني

التوجه شرقاً.. الحكومة اليمنية تدعو إلى استثمارات صينية

الإثنين 27 أكتوبر 2025 02:39 صـ 6 جمادى أول 1447 هـ
علي العقبي
علي العقبي

في خضم معركة اقتصادية لا تقل ضراوة عن المواجهة العسكرية، ألقت الحكومة اليمنية بحجر ثقيل في مياه السياسة الدولية الراكدة. دعوة رئيس مجلس الوزراء، الأستاذ سالم صالح بن بريك للشركاء الصينيين للاستثمار في اليمن، ليست مجرد مناورة اقتصادية عابرة؛ هي إعلان صريح عن تحول استراتيجي في رؤية الدولة لمستقبل تحالفاتها، ورسالة بالغة الذكاء موجهة للداخل والخارج على حد سواء.

إن اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الوزراء مؤخراً بالقائم بأعمال السفير الصيني شاو تشنغ، هو فصل جديد في كتاب الدبلوماسية اليمنية التي يقودها بن بريك بحنكة مستثمراً رصيده كرجل دولة يفهم لغة المصالح الدولية. هذه الدعوة التي تأتي في سياق جهود الحكومة لإصلاح الوضع المالي وتقديم نموذج ناجح في المحافظات المحررة، تحمل في طياتها دلالات للمضي في استكمال سيطرة الحكومة الشرعية على كل تراب اليمن وجلب الاستثمار الدولي وتوفير بيئية لذلك

ما وراء الدعوة

حين يشيد رئيس الوزراء صراحة بالموقف الصيني "الثابت" الداعم للشرعية فهو لا يلقي كلمات مجاملة بل يرسل إشارتين واضحتين الأولى رسالة امتنان وعرفان وتثمين لموقف بكين المتزن في مجلس الأمن والذي طالما شكل صمام أمان ضد قرارات لم تكن لتخدم استقرار اليمن. إنها شهادة حق لشريك دولي حافظ على مسافة واحدة لكنه لم يتخلّ عن دعم الشرعية.

الثانية، رسالة استقواء وتوازن في عالم متعدد الأقطاب، تدرك الحكومة اليمنية أن الاعتماد على حليف واحد هو مجازفة سياسية. التوجه نحو الصين القوة الاقتصادية الجبارة هو إشارة إلى أن اليمن يبحث عن شركاء حقيقيين لمرحلة إعادة الإعمار شركاء يملكون القدرة والإرادة بعيداً عن الحسابات السياسية الضيقة التي عطلت الكثير من المشاريع التنموية ومعركة استعادة الدولة

العلاقات اليمنية الصينية التي احتفلنا مؤخراً بذكراها الـ 69

لم تكن يوماً علاقة ضجيج إعلامي إنما شراكة عمل دؤوب من الدعم الدبلوماسي الهادئ إلى الدعم المتنوع إعلامياً، وبالمنح التعليمية التي تبني أجيالاً إلى الدعم الصحي وغيرها، ومنها مؤخراً المبادرة الاستراتيجية بإعفاء المنتجات اليمنية من الجمارك والتي تمثل شريان حياة حقيقياً للصادرات اليمنية المنهكة

واليوم يتطور هذا الدعم ليشمل الجانب الأمني عبر تزويد وزارة الداخلية بمعدات ضرورية لفرض سلطة الدولة في المحافظات المحررة. الصين لا تقدم وعوداً فضفاضة بل دعماً ملموساً يعزز من قدرة الحكومة على أداء واجباتها.

دعوة الاستثمار

عندما يدعو رئيس الوزراء الشركات الصينية للاستثمار في قطاعات حيوية كالبنية التحتية والطاقة، فهو يضع يده على مكامن القوة الصينية. بكين هي "مصنع العالم" وباني البنى التحتية الأضخم على هذا الكوكب. الاستعانة بها لإعادة إعمار الموانئ والطرقات ومحطات الكهرباء وغيرها من المشاريع الحيوية هو الخيار الأكثر واقعية ومنطقية وكانت الدعوة

قد ركزت على قطاعات البنية التحتية والطاقة وهو استهداف دقيق لنقاط القوة الصينية وقدرتها على تنفيذ مشاريع ضخمة وحيوية ويمكن تسهم الصين بشكل كبير في إعادة الإعمار عبر تمويل وتنفيذ مشاريع البنية التحتية المتضررة

واليمن تزخر بكثير من قطاعات الاستثمار خاصة في النفط والموانئ والقطاع الزراعي والسمكي وغيرها.

والحكومة تنظر إلى الشراكة مع بكين بمنظور استراتيجي طويل الأمد والاستثمار الصيني سيؤسس لمرحلة جديدة من التعاون تخدم مصالح البلدين وتسرع من وتيرة التعافي الاقتصادي في المحافظات المحررة.

لكن الرسالة الأهم في هذه الدعوة كانت التعهد الحكومي الصريح بتقديم "كافة التسهيلات والمزايا". هي رسالة طمأنة مباشرة لرأس المال الصيني الذي يعرف كيف يقتنص الفرص لكنه يحتاج إلى ضمانات واضحة

وتحرك الحكومة اليمنية نحو بكين اليوم يأتي في توقيته المناسب وضرورة استراتيجية تفرضها متطلبات معركة البقاء والتعافي. هذه الشراكة إن كتب لها النجاح

ستعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة وتؤكد أن اليمن رغم جراحه ما زال يملك مفاتيح مستقبله.

علي العقبي /صحفي وناشط سياسي