كيف اغتصبوهم؟!
 
		لم تعد ظاهرة الاغتصاب مقتصرة على الشهوة الجسدية، بل تجاوزتها إلى مستويات أخطر تمسّ كيان المجتمعات. فقد مارست الدكتاتوريات المحلية والأجنبية على حد سواء نوعًا آخر من الاغتصاب، هو اغتصاب العقول، لتصنع من ضحاياه جيوشًا بشرية تُدمّر أوطانها بأيديها، وتنفّذ مشاريع الغزاة دون أن يخسروا جنديًا أو طلقة نار واحدة.
في اليمن، تحديدًا في المناطق الزيدية أو الهضاب البعيدة عن التأثير الحضاري، خضع الناس عبر تاريخ المتوردين إلى اليمن لعملية اغتصاب فكري وعقائدي من قبل كهنة الهاشمية السياسية، الذين رسخوا الخرافة والتقديس الهمجي الأعور.
ومع الوقت، ورثت الحوثية هذا النهج فأعادت إنتاجه بأدوات أكثر فاعلية، إذ مارست على مقاتليها غسيلًا شاملًا للعقول، حتى دفعت بعضهم إلى قتل آبائهم وأمهاتهم، بعد أن جُرّدوا من إنسانيتهم وقيمهم، وتحولوا إلى أدوات قتل بلا وعي ولا رحمة.
يروى أن السفير البريطاني إبان احتلال الهند كان يسير بسيارته مع القنصل في أحد شوارع نيودلهي، فرأيا شابًا جامعيًا يركل بقرة بقدمه. ترجّل السفير على الفور، واندفع نحو البقرة وسجد لها وتبرّك ببولها ومسح شيئًا منه على وجهه. وعندما شاهد الهنود هذا المشهد من رجل أجنبي، سجدوا بدورهم للبقرة، وأمسكوا الشاب الذي ركلها وسحقوه بأقدامهم دفاعًا عن "قداستها".
عاد السفير إلى سيارته مبللًا بالبول وشعره منكوش، سأله القنصل بدهشة، لماذا فعلت ذلك؟ وهل تؤمن بعبادة البقرِ حقًا؟
فأجابه السفير إجابة تلخص عبقرية اغتصاب العقول: ركلة الشاب الهندي للبقرة كانت ركلة للعقيدة الهشّة التي نريدها أن تبقى. لو سمحنا لهم بركل خرافاتهم لتقدمت الهند خمسين عامًا إلى الأمام، ولخسرنا نحن وجودنا ومصالحنا الحيوية فيها. إن الجهل والخرافة والتعصب هي جيوشنا التي نُخضع بها الشعوب دون طلقة واحدة.”
هنا يبرز السؤال: لماذا يدعم الغرب الصراعات والخرافات الدينية والمذهبية؟ ولماذا تروّج إيران للخرافات المذهبية وتغذي الإرهاب الطائفي في العالم العربي، سنّيًا كان أم شيعيًا؟
الجواب يكمن في ما أشار إليه السفير البريطاني: إنها أدوات السيطرة. فحين تُغتصب العقول وتُسجن داخل دوائر الجهل والتعصب، يسهل على المستعمر الخارجي أو الطاغية الداخلي تمرير مشاريعه اللعينة واستمرار نفوذه بجيوشٍ من أبناء الشعوب نفسها.
لقد رأى العالم نموذجًا صارخًا من ذلك النوع بعد سقوط العراق عام 2003م بيد الاحتلال الأمريكي، عندما تمّ استهداف المراقد الشيعية بفعل إيراني لتندلع بعدها حرب طائفية طاحنة، فيقتل الشيعة السنة على حدٍ سواء، ويُذبح الناس على الهوية، وتُلقى الجثث المجهولة على أرصفة الشوارع.
وعندما تساءل العراقيون عن سبب دعم إيران لتنظيمات ارهابية سنية متشددة مثل القاعدة، جاء الجواب بأنها "خطة لإشغال أمريكا والضغط عليها لتنسحب من حدودها"، جاء ذلك على لسان طارق الهاشمي نائب الرئيس العراقي الأسبق بعد تأكيدها له من المجرم قاسم سليماني أن إيران تدعم القاعدة في العراق رغم أن ضحاياها كانوا من كل الأطراف، عراقيين سنة وشيعة وأمريكان على حد سواء.
وهكذا، بعد نشر الفتنة المذهبية، اغتُصبت عقول شيعة العراق حتى مارس بعضهم أبشع الجرائم ضد إخوتهم السنة، طالت المساجد والعلماء والسياسيين. وصل الأمر إلى حد اتهام نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي بالإرهاب بعد اغتيال شقيقته واثنين من إخوته، في محاولة لإقصاء المكوّن السني من المشهد السياسي العراقي.
ذلك هو جوهر دكتاتورية العقول، حين تُجبر الشعوب على خدمة أعدائها دون أن تدرك، وتُقاد بأوهام العقيدة والسياسة لتدمير أوطانها.
وما فعلته إيران في اليمن اليوم هو المثال الأبرز على اغتصاب العقول طائفيًا وجهويًا، إذ صنعت جيوشًا عمياء تسخّرها لمشاريع نفوذها الإقليمي. تُطلق صواريخ باسم “نصرة فلسطين” نحو إسرائيل من أرض اليمن، بينما تنعكس النيران على اليمنيين أنفسهم دمارًا للبنية التحتية ومزيدًا من الدماء، دون أن تتأثر إسرائيل أو تخسر إيران شيئًا.
ختامًا: بينما الزنبيل، الذيل، العكفي، يسفك دمه لأجل سيّده وحتى يبقى مهان مغتصب في رباق العبودية..تعجز أنت في إقناعه أن يقاتل لأجل قضيته وتحرير نفسه من جلاده وناهب أرضه عقله وحقوقه.. فهل وصلت الرسالة يازنابيل الإمامة؟
