المشهد اليمني

من مقاعد الدراسة في اليمن إلى ورشة السيارات في ميونيخ: لاجئ يمني يتوج رحلته بنجاح بعد رحلة كفاح استثنائية

الأحد 2 نوفمبر 2025 12:13 صـ 12 جمادى أول 1447 هـ
اللاجئ اليمني
اللاجئ اليمني

بعد سنواتٍ من التحديات، الإرهاق، والصمود أمام عواصف الغربة والمسؤوليات، حقّق اللاجئ اليمني محمد محسن (43 عامًا) حلمه المهني بحصوله على شهادة "ميكانيكي سيارات معتمد" (Kfz-Mechatroniker) من ورشة anderwerk في مدينة ميونيخ الألمانية، ليُنهي بذلك رحلة بدأت في قاعات الدراسة الثانوية باليمن، وانتهت بابتسامة نجاحٍ تذوب فيها الحدود بين الثقافات.

رحلة من الصفر… وربما أقل

غادر محمد وطنه اليمن بعد عامٍ واحدٍ فقط من دراسته الجامعية، دافعًا إياه الوضع الأمني المتردّي إلى البحث عن ملاذٍ آمن في ألمانيا. هناك، وجد نفسه أمام واقعٍ جديد: أبٌ لأربعة أطفال، وزوجٌ يسعى لتوفير سقفٍ يحمي أسرته، وشابٌ في منتصف العمر يبدأ من الصفر في بلدٍ لا يتحدث لغته، ولا يعرف طرائقه.

لم تكن الحياة في ألمانيا سهلة. سكنٌ ضيّق، دخلٌ محدود، وطفلٌ مريض يحتاج رعاية صحية مستمرة، كلّها عوامل زادت من ثقل الأيام. ومع ذلك، لم يفقد محمد بصيص الأمل، بل قرّر أن يُثبّت قدميه في هذا الوطن الجديد عبر بوابة التدريب المهني.

اللغة… جدارٌ تقنيٌّ لا يُقهر؟

يؤكد بوركهارد دينينغر، الاختصاصي الاجتماعي في منظمة anderwerk، أن "أكبر عقبة واجهت محمد كانت اللغة الألمانية، خصوصًا المصطلحات التقنية المعقدة التي تُستخدم يوميًا في ورشات السيارات". لكنه يضيف: "ما يميّزه ليس ذكاؤه فحسب، بل إصراره على الفهم، حتى لو تطلّب ذلك البقاء ساعات إضافية بعد انتهاء الدوام".

بين آلام المعدة وساعات الدراسة

لم يكن التوازن بين التدريب، الدراسة، ومسؤوليات الأسرة أمرًا يُحسد عليه. يقول مايكل دايميل، المشرف الفني في الورشة:

"محمد كان يتحمل ضغوطًا هائلة. مرّ بفترات إرهاق شديد، وعانى من آلام مزمنة في المعدة بسبب التوتر، لكنه لم يستسلم ولو للحظة واحدة".

فشلٌ أول… ودرسٌ في الصبر

في نهاية عامه التدريبي الثاني، خاض محمد امتحان التأهيل المهني، لكنه لم ينجح في المحاولة الأولى. بدل أن ينهار، حوّل الفشل إلى وقودٍ جديد.
كل جمعة، بينما كان الآخرون يستريحون، كان محمد يعود إلى الورشة لساعات إضافية، يتدرب، يسأل، ويُصلح أخطاءه. وبعد أشهر من الجهد، عاد إلى الامتحان، هذه المرة ناجحًا بامتياز.

احتفالٌ يجمع البريتزا بالبقلاوة

في صيف 2025، اجتمعت فرق العمل في anderwerk للاحتفال بإنجاز محمد، ليس كموظفٍ جديد، بل كرمزٍ للاندماج الحقيقي.
قدّم له الزملاء بريتزا ألمانية إلى جانب قطعة بقلاوة شرقية، تعبيرًا عن اندماج ثقافتين في قصة إنسان واحد.

يقول دايميل بفخر:

"محمد أثبت عزيمة لا تلين، وأظهر التزامًا استثنائيًا في كل خطوة. هو مثالٌ يُحتذى به لأي شاب يسعى لبناء مستقبله".

ويضيف دينينغر:

"كان هدفه واضحًا: تأمين حياة كريمة لأسرته في ألمانيا. وبعد كل ما مرّ به، كان يستحق هذا النجاح أكثر من أي وقتٍ مضى".

والآن… الباب مفتوح

بشهادته في الجيب وثقة زملائه في ظهره، يستعد محمد محسن اليوم لدخول سوق العمل الألماني المفتوح، ليبدأ فصلًا جديدًا من حياته — ليس كلاجئٍ يبحث عن مأوى، بل كخبيرٍ مهني يُسهم في اقتصاد بلده الجديد.

قصته ليست مجرد سيرة نجاح فردية، بل شهادة حية على قوة الإرادة، وقيمة الاندماج الحقيقي، وجمالية اللقاء بين الشرق والغرب… حيث تلتقي البريتزا بالبقلاوة، ويُكتب الأمل بلغة المثابرة.