المشهد اليمني

كيف حوّلت نقاط التفتيش حياة المرأة في تعز إلى امتحان كرامة يومي؟

الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 03:06 صـ 14 جمادى أول 1447 هـ
تعبيرية
تعبيرية

في قلب اليمن، حيث تتقاطع خطوط النار مع أنفاس المدنيين، تحوّل "العبور" بالنسبة لنساء تعز من فعلٍ يومي بسيط إلى مغامرة محفوفة بالخطر، الذل، والانتهاك. فبين الحواجز العسكرية المتناثرة والقيود التي تُفرض باسم الأمن والدين، أصبحت رحلة المرأة — حتى لو كانت إلى مستشفى أو لمّة عائلية — اختباراً قاسياً لكرامتها الإنسانية، بل و"جرماً" يُعاقب عليه إن لم تكن برفقة "محرم".

ويكشف تقريرٌ استقصائي جديد بعنوان "عبور النساء المؤجّل"، أصدرته رابطة أمهات المختطفين، عن واقع مرير تعيشه النساء في المحافظة المحاصرة منذ تسع سنوات. يوثّق التقرير 113 انتهاكاً ارتكبت بحق النساء خلال السنوات الخمس الماضية، معظمها في النقاط العسكرية المنتشرة على مداخل ومخارج المدينة، في صورة تُجسّد معاناة مزدوجة: حرب خارجية وتمييز داخلي.

النقاط الحمراء: جولة القصر في الصدارة

استند التقرير إلى 41 مقابلة ميدانية مع ضحايا وشهود، إضافة إلى وثائق داعمة وملاحظات ميدانية، ليشير إلى أن نقاط التفتيش الحوثية — خصوصاً في جولة القصر، الهنجر، الحوض، المعافر، والربيعي — سجّلت أعلى معدلات الانتهاكات.

  • جولة القصر، المدخل الرئيسي للمناطق المحررة، كانت الأكثر تشدداً.
  • 63 انتهاكاً (55.86%) نُسبت إلى ميليشيا الحوثي.
  • 50 انتهاكاً (44.29%) ارتكبتها قوات عسكرية تابعة للحكومة أو محسوبة على حزب الإصلاح.

"الانتهاكات ضد جسدي، كرامة، وحقي في الوجود"

تنوعت الجرائم المسجّلة بحق النساء لتتجاوز مجرد التأخير إلى انتهاكات جسيمة:

  • إعاقة الحركة / التوقيف والتأخير: 35 حالة
  • تفتيش غير قانوني: 27 حالة
  • إتلاف الممتلكات: 12 حالة
  • إهانة وشتم: 10 حالات
  • ابتزاز مالي: 10 حالات
  • مصادرة ممتلكات: 9 حالات
  • تهديد: 5 حالات
  • تحرش جنسي: 4 حالات
  • احتجاز تعسفي: حالة واحدة (لكنها رمزية ومؤلمة)

وتأتي حالات الابتزاز والاحتجاز التعسفي بشكل خاص في نقاط الحوثيين، حيث يُستخدم اشتراط وجود "محرم" كذريعة لفرض غرامات أو منع المرور كلياً.

شهادة من القلب: "وقفونا 3 ساعات لأنني بلا محرم!"

تقول إحدى النساء اللواتي وثّق التقرير شهادتهن:

"أوقفونا عند النقطة أكثر من ثلاث ساعات، أخذوا هاتفي وفتشوا حقيبتي أمام الناس، فقط لأنني كنت ذاهبة للمستشفى دون رجل يرافقني."

قصص كهذه ليست استثنائية، بل هي نمطٌ متكرر يُظهر كيف بات الجنس أنثى سبباً كافياً للتعرض للإهانة والعقاب في زمن الحرب.

الشريعة أم الميليشيا؟

تؤكد أمة السلام الحاج، رئيسة رابطة أمهات المختطفين، أن هذا التقرير ليس وثيقة اتهام فحسب، بل صرخة إنصاف للنساء. وتضيف:

"الشريعة الإسلامية كرّمت المرأة، والمواثيق الدولية حفظت حقوقها، بل وخصصت الأمم المتحدة القرار 1325 لحمايتها في النزاعات المسلحة. فلماذا يُستخدم الدين سلاحاً لقمعها؟"

وتشير الحاج إلى أن اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (25 نوفمبر) يجب أن يذكّر الجميع بأن ما يجري في تعز لا يُبرّره لا أمن ولا دين.

"الواقع أقسى مما وثّقناه"

من جانبه، يقول توفيق الشعبي، أمين عام نقابة المحامين في تعز:

"الانتهاكات في الواقع أكثر مما ورد في التقرير. لقد تناولنا موضوعات يخشى الكثيرون مجرد الحديث عنها. هذه الانتهاكات تمثل انتكاسة صادمة لدور المرأة المتنامي في تعز، التي كانت دوماً رائدة في التعليم، العمل، والمشاركة العامة."

نداء عاجل: فتح الطرق وحماية الكرامة الأنثوية

تدعو الرابطة المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية إلى:

  • الضغط الفوري لرفع القيود المفروضة على حرية تنقل النساء في اليمن.
  • إدانة جميع أشكال الابتزاز والإذلال في نقاط التفتيش.
  • فتح الطرق الرئيسية المغلقة، خصوصاً طريق الحوبان–المدينة، كأولوية إنسانية.

وتشدّد الرابطة على أن حرية التنقل حق دستوري ودولي، وأن استمرار هذه الممارسات يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية، داعية إلى مساءلة قادة الميليشيات والقوات المتورطة في هذه "الجريمة الممنهجة ضد المرأة اليمنية".

"الطريق لنا.. والحق معنا"

رغم الحصار، والخوف، والوصم، ترفض نساء تعز الاستسلام. ففي ختام التقرير، تقول إحداهن بتحدٍّ لا يلين:

"لن نترك تعز تُغلق في وجوهنا إلى الأبد. الطريق لنا، والحق معنا، وسنمر يوماً بلا إذن من أحد."