المشهد اليمني

قبل رحيلها بقليل.. ما الذي لم تعرفه عن القاضية التي تحدت الميليشيات وحدها في ساحة العدالة؟

السبت 8 نوفمبر 2025 01:56 صـ 17 جمادى أول 1447 هـ
القاضية رحمها الله
القاضية رحمها الله

في مشهدٍ أضاف وجعاً جديداً إلى قلوب اليمنيين، أعلن اليوم الجمعة وفاة القاضية رغدة عبد الرحمن الأزرقي، أحد أبرز الرموز النسائية في السلك القضائي اليمني، وأحد الأسماء التي ارتبطت بنضال المرأة من أجل تثبيت أقدامها في ميادين كانت حكراً على الرجال.

وأفاد زملاء ومصادر قضائية وناشطون حقوقيون بوفاتها، تاركة خلفها إرثاً من النضال والمثابرة.

مسيرة قضائية حافلة

تدرجت الراحلة رغدة الأزرقي في المناصب القضائية، لتصبح واحدة من أوائل النساء اللواتي كسرن حاجز العمل في القضاء الإداري في اليمن، مجالاً يتطلب خبرة قانونية عميقة وحساسية سياسية عالية.

شغلت مناصب قضائية رفيعة في العاصمة صنعاء ومحافظاتها، وكانت تجربتها الأبرز عندما تولت رئاسة محكمة الأحداث في أمانة العاصمة، حيث تركت بصمة واضحة في حماية حقوق الأطفال وتقديم العدالة لهم.

لم يقتصر دورها على العمل القضائي فحسب، بل امتد ليكون منارة للقاضيات الأخريات، حيث شغلت منصب نائبة رئيس "منتدى القاضيات اليمنيات"، ومن خلال هذا المنصب، ساهمت في دعم وتأهيل وتوحيد جهود العاملات في القطاع القضائي، والدفاع عن حقوقهن في وجه التحديات المتزايدة.

نعت ومشاعر فقد

تتالت فور إعلان نبأ وفاتها ردود الفعل التعازية والحزينة على نطاق واسع، حيث نعت شخصيات قانونية بارزة، ونقابات، ومنظمات حقوقية القاضية الأزرقي. وصفها زملاؤها بأنها "القاضية الصادقة، الأمينة، والمثال في النزاهة والاستقلالية"، بينما أكد ناشطون حقوقيون أنها "مثلت نموذجاً مشرفاً للمرأة اليمنية التي تقتحم أصعب المجالات وتثبت جدارتها في ظل ظروف استثنائية وصعبة".

ضحية "الحوثنة" في القضاء

لم تكن مسيرة القاضية الأزرقي خالية من العقبات والتحديات، خاصة في السنوات الأخيرة التي شهدت تدهوراً كبيراً في مؤسسات الدولة اليمنية. فقد تعرضت، مثل العديد من الشخصيات القضائية المستقلة، لحملة من التهميش والإقصاء، وصلت إلى حد فصلها من مناصبها القيادية.

جاء هذا الإجراء ضمن حملة واسعة أُطلق عليها "الحوثنة"، يقودها الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومؤسساتها، وتستهدف استبدال الكفاءات والكوادر الوطنية المستقلة بعناصر موالية لهم، بهدف السيطرة التامة على السلك القضائي وتحويله إلى أداة لخدمة أجنداتهم.

كان فصل القاضية الأزرقي من منصبها وغيرها من القاضيات المتميزات، صفعة قوية لمكاسب المرأة اليمنية، ومحاولة لتراجع دورها في القطاعات الحيوية، لكنها ظلت صامدة، رمزاً للكرامة والتحدي في وجه محاولات طمس الهوية الوطنية للمؤسسات.

إرث يبقى

تترك رحيل القاضية رغدة الأزرقي فراغاً كبيراً في الساحة القضائية والحقوقية اليمنية. لكن إرثها لن يقتصر على الأحكام القضائية التي أصدرتها أو المناصب التي شغلتها، بل سيبقى في ذاكرة الأجيال كقصة امرأة يمنية آمنت بالعدالة كقيمة عليا، وكافحت من أجلها حتى الرمق الأخير، لتكون شاهداً على عصر صمدت فيه الكفاءات في وجه محاولات الإذلال والتهميش.