تدهور ممنهج وصراع نفوذ.. كيف يحوّل الحوثيون ”يمن موبايل” إلى غنيمة تمويل انقلابهم؟
تطور خطير يكشف عن عمق الأزمة التي تعصف باليمن، تمر شركة "يمن موبايل"، أكبر شركة اتصالات في مناطق سيطرة الحوثيين، بمرحلة الانهيار الشامل على الصعد الإدارية والمالية والفنية.
فالشركة التي كانت ذات يوم صرحاً وطنياً، تحولت اليوم إلى ساحة صراع نفوذ بين أجنحة الجماعة، وأداة للإثراء غير المشروع وتمويل أنشطتها، وفق معلومات موثقة من مصادر مطلعة في العاصمة صنعاء، وتقاطعت مع تقارير دولية حديثة.
تفاصيل الخبر:
إدارة بالولاء.. إقصاء بالكفاءة
لم يعد ما يحدث داخل "يمن موبايل" مجرد سوء إدارة عابر، بل هو عملية تدمير ممنهجة، كما تؤكد المصادر. فمنذ تعيين القيادي الحوثي عبد الخالق الحسام على رأس مجلس الإدارة، دخلت الشركة نفقًا مظلمًا جديدًا. والحسام، الذي لا يمتلك أي خبرة إدارية أو فنية مثبتة، والذي سبق أن أُقيل من منصبه عام 2019 لضلوعه في قضايا فساد، عاد ليكون المتحكم الأول في شركة يفوق دخلها اليومي المليار ريال يمني.
سياسة الحسام، بحسب المصادر، تقوم على أساسين: أولهما، تجريد المديرين التنفيذيين من صلاحياتهم الأساسية وحرمانهم من حوافزهم ومكافآتهم، بهدف دفعهم للاستقالة وخلق فراغ وظيفي. ثانيهما، ملء هذا الفراغ بعناصر حوثية من خارج الشركة، لا تتمتع بأي مؤهلات فنية، لكنها تحمل "الولاء المطلق" للجماعة. وهكذا، تُفرغ المؤسسة من كوادرها الوطنية وخبراتها التي بنتها على مدى سنوات.
انهيار مالي وفساد مستشري
على الصعيد المالي، تبدو الأرقام كارثية. تقارير داخلية كشفت أن الشركة فقدت نحو 15% من إيراداتها في أربعة أشهر فقط من تولي الحسام منصبه، وهو تراجع لم تشهد مثله الشركة منذ تأسيسها. وفي المقابل، تتدفق أموال الشركة على مشاريع وهمية ونفقات شخصية باهظة لقيادات الجماعة، تشمل شراء سيارات فاخرة، وتأثيث الشقق والفلل الخاصة، تحت غطاء مصاريف تشغيلية.
ويؤكد موظفون أن الشركة لم تعد تُدار كمؤسسة وطنية، بل أصبحت "صندوقًا ماليًا تحت تصرف القيادات الحوثية"، في ظل غياب تام لأي آليات للرقابة أو المساءلة. هذا النهج الفاسد ليس جديدًا، ففي عهد سلفه عصام الحملي، تم صرف نحو 16 مليار ريال يمني تحت ذريعة "تأهيل مباني الشبكات"، رغم أن غالبية تلك المباني مستأجرة وليست مملوكة للشركة.
تداعيات كارثية على الخدمة والمشتركين
لم يكن هذا التآكل في الإدارة والمال دون عواقب. فقد شهدت خدمات الشركة تراجعًا حادًا، مع تزايد شكاوى المشتركين من انقطاع الشبكة وسوء جودة الخدمة حتى في قلب العاصمة صنعاء. كما تم تعطيل العقود والشراكات مع مقاولين وشركات خارج منظومة الحوثي، مما أدى إلى انهيار مشاريع استراتيجية وتهديد سمعة الشركة التجارية، وضرب ثقة التجار والمساهمين.
تقاطع مع تقرير أممي: قطاع الاتصالات ذراع للقمع والتمويل
يتقاطع هذا الواقع المأساوي بشكل دقيق مع ما كشفه الفريق الأممي للخبراء المعني باليمن في تقريره الأخير. أكد التقرير أن الحوثيين يسيطرون بالكامل على قطاع الاتصالات في مناطق نفوذهم، ويحولون عائداته إلى آلة لتمويل عملياتهم العسكرية والسياسية.
وأوضح التقرير أن إيرادات شركات مثل "يمن موبايل" و"تيليمن" تُحوّل مباشرة إلى ما يسمى بـ"الهيئة العامة للزكاة" التابعة للجماعة، خارج أي رقابة مصرفية، لتصبح أحد أهم مصادر التمويل المستقلة لأنشطتها، بما في ذلك التجنيد والتعبئة العسكرية.
الأخطر من ذلك، أن التقرير كشف عن استخدام الحوثيين للبنية التحتية للاتصالات كأداة قمع متطورة، عبر منظومة مراقبة وتنصت تعتراض المكالمات والبيانات، وتستهدف الناشطين والإعلاميين، في انتهاك صارخ للخصوصية وحرية التعبير.
خاتمة: ضرورة وطنية لإنقاذ ما تبقى
أمام هذا الانهيار المتسارع، يرى موظفو "يمن موبايل" ومراقبون أن شركتهم أصبحت رهينة في يد أطماع جماعة الحوثي. ولم يعد إنقاذها مجرد مطلب إداري أو نقابي، بل تحول إلى ضرورة وطنية ملحة لحماية ما تبقى من مؤسسات الدولة اليمنية، ووقف العبث المنظم الذي يهدد قطاعا حيويا ويمس حياة الملايين من اليمنيين. فسقوط "يمن موبايل" ليس مجرد خسارة اقتصادية، بل هو رمز لتفكك الدولة واستشراء الفساد الذي يغذي أطماع مشروع انقلابي.
