حبيب العِزِّي
الحرب البرية .. لماذا لم تبدأ؟!

عجبتُ لتلك الأصوات التي ظلت ترفض فكرة التدخل الدولي قبل عاصفة الحزم، ثم وبعد أن صار التدخل حقيقة ماثلة، بدأت تميل إلى فكرة الحلول السياسية والعودة إلى الحوار، كما وتبدي تخوفها من أي لغة تتحدث عن ضرورة القيام بحرب برية تستأصل شأفة من تسببوا بإحراق اليمن، وتدميره بهذا الشكل الذي ينفطر له قلب كل يمني حزناً وكمداً، مع كل قذيفة تسقط على أي بقعة من الأرض اليمنية، ولا أدري حقيقة ما الذي تريده تلك الأصوات على وجه الدقة، فالحوار ظل قائماً قرابة عامين كاملين أو يزيد، وتم تتويجه بحوار تاريخي دام ستة شهور، وشاركت فيه كل الأطياف اليمنية بلا استثناء، بما في ذلك جماعة الحوثي وصالح، وخرج المتحاورون بوثيقة تاريخية هامة هي "وثيقة الحوار الوطني" شهد لها القاصي والداني، وصارت مثار فخر وتباهي لليمنين قاطبة، كما حسدتنا عليها كل ثورات الربيع العربي .. ثم .. ماذا كانت النتيجة ؟! رمى بها الحوثيون وصالح في سلة القمامة.
إن التوصيف السليم لواقع الحال قبل العاصفة -وأستطيع الجزم بذلك- هو أنه لم يكن هنالك يمني واحد يتمنى قدوم مثل هذه العاصفة، وتدمير مقدرات بلده العسكرية بهذا الشكل المريع، ولكنها عندما وصلت وفاجأت الجميع بلا استثناء، كانت لمعظم اليمنيين بلسماً وشفاء، كما كانت أشبه بعملية جراحية مؤلمة وقاسية، لكنها كانت ضرورية وهامة لاستئصال الورم الخبيث من جذوره، فالمخلوع وعصابته قد أوصدوا كل الأبواب، وأغلقوا كل المنافذ، وتصرفوا كمافيا مارست الإرهاب والقتل وأرادت الانتقام من كل شيء.
إن اللحظة الراهنة التي تمر بها اليمن لا تقبل أنصاف الحلول مطلقاً، وكل من يدعوا إلى الحوار بهذا التوقيت "وأعني الحوار مع الحوثي وصالح" هو كمن يحرث في البحر، ويندرج في خانة المثبّطين والمُخذّلين ليس إلا، ونحن لسنا مع دخول قوات برية من دول التحالف إلى الأراضي اليمنية مطلقاً، لكننا مع حرب برية يمنية خالصة، تقتضيها ظروف الحال وطبيعة المرحلة، يقودها الرجال المخلصون والشجعان من أبناء هذا البلد وما أكثرهم، ويجب أن يقتصر دور دول التحالف فيها على الدعم العسكري واللوجستي فقط، إضافة إلى استخدام سلاح الطيران كلما دعت الحاجة لذلك.
على الرئيس هادي -الذي لا زال يعيش حالة من الرخاوة المزمنة، والتي كادت تقتلنا- أن يتصرف كرئيس دولة له هيبته وثقله، ويتواصل اليوم قبل الغد مع كل القيادات العسكرية "الوطنية والمخلصة"، كتلك التي أعلنت انحيازها للثورة وتأييدها للشرعية، كما عليه أن يتواصل مع مشايخ القبائل الذين وقفوا ضد الانقلابيين من الوهلة الأولى وانحازوا إلى خيار الشعب وإلى الشرعية كذلك، ثم يتواصل مع كل المكونات السياسية الرافضة للانقلاب، وذلك بُغية التنسيق لتشكيل تحالف وطني واسع كما تشكيل جبهة قتال عريضة وموحدة تضم كل الموالين للشرعية الدستورية، والتي يفترض أنها الآن قد تشكلت وبدأت برسم خطتها، ولتبدأ على الفور بخوض المعركة البرية الشاملة التي لا بد منها، لمطاردة واستئصال جيوب الانقلابيين ومعاونيهم في كل السهول والوديان وفي كل القرى والمدن اليمنية.
إن لدى جماعة الحوثي من الكهوف والمغارات الممتلئة بالسلاح بكافة أنواعه الثقيل والمتوسط والخفيف، والممتدة تحت الجبال الشاهقات في صعدة ما لا يمكن لعقل أن يتخيله، وهو ما لا يمكن تدميره عبر سلاح الجو مطلقاً، وذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن نوايا أولئك القوم كانت تبيّت الشر، فتلك الكائنات لا تجيد غير لغة الحروب وثقافة السلاح، ذلك السلاح الذي لازالوا يبيتون النية باستخدامه في حرب الشوارع والمدن بعد انتهاء غارات التحالف الجوية على غرار ما يحدث الآن في عدن، الأمر الذي يجعل من الحرب البرية مطلباً ملحاً وضرورياً في هذه اللحظة، لأنها الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها الوصول إلى الإرهابيين في جحورهم، بحيث لا يبقى أمامهم في نهاية المطاف أي خيار غير خيار التسليم أو الانتحار.