عندما سقطت مصر بسبب القطط .. كيف غزا الفُرس إمبراطورية الفراعنة قبل 2500 عام؟!

في مشهد لا يصدقه عقل، امتزجت فيه الدهاء العسكري بالوعي الديني والثقافي، سقطت مصر الفرعونية العريقة أمام غزو فارسي لم يكن السلاح فيه سيوفًا ولا دروعًا فحسب، بل كانت القطط هي العنصر الحاسم في هذه الحرب غير التقليدية. لنعد إلى البداية، إلى عام 525 قبل الميلاد، حين شنّ الملك الفارسي قَمبيز الثاني حملته الشهيرة المعروفة باسم (معركة الفرما) على مصر.
القطط: سلاح لا يخطر على بال أحد
بعيدًا عن الطرق التقليدية في الحروب، لجأ قَمبيز إلى فكرة عبقرية، تستغل أحد أكثر المعتقدات حساسية لدى المصريين القدماء. فالمصريون لم يكونوا يعتبرون القطط حيوانات أليفة فحسب، بل كائنات مقدسة مرتبطة بالإلهة باستت، إلهة الحماية والخصوبة، كانوا يحنطون القطط بعد وفاتها، ويعدّ قتلها -حتى بالخطأ- جريمة عقوبتها قد تصل إلى الإعدام أو الرجم.
هنا ظهرت عبقرية قَمبيز. فبدلًا من الدخول في معركة دموية قد تكلّفه الكثير، أمر جنوده بجمع قطط حقيقية، وحملها معهم إلى أرض المعركة. كما قاموا برسم صور الإلهة باست على الدروع، بل وهناك روايات تقول إن بعض الجنود حملوا القطط بأيديهم عند تقدمهم نحو القوات المصرية.
المصريون بين العقيدة والبقاء
عندما شاهد الجنود المصريون المشهد الغريب، أصابتهم الدهشة والشلل. كيف يمكنهم الدفاع عن أرضهم دون أن يعرّضوا هذه الكائنات المقدسة للأذى؟ فإطلاق سهم قد يعني قتل قطة، وهو أمر لا يغتفر في معتقدهم. وقعوا في معضلة وجودية: حماية الوطن أم احترام العقيدة؟ وكان الخيار – رغم قسوته – هو الانسحاب.
سقوط إمبراطورية وبداية عهد جديد
بهذا التكتيك غير المتوقع، نجح الفُرس في دخول مصر دون مقاومة تُذكر. سقطت واحدة من أعظم الحضارات في التاريخ، تلك التي بنت الأهرامات وأقامت الجيوش والحصون. قُتل الملك المصري بسامتيك الثالث، ونهبت البلاد، وبدأت حقبة جديدة تحت حكم الفرس.
هذه القصة تُظهر كيف يمكن لفهم الثقافة والمعتقدات أن يُحدث تغييرًا جذريًا في نتائج المعارك. ليست كل الحروب تُحسم بالسيوف، فبعضها قد تُحسم... بقطط.
القطط... ونهاية مرحلة من التاريخ المصري
إن ما حدث في عام 525 قبل الميلاد لم يكن مجرد هزيمة عسكرية، بل كان تحولًا حضاريًا غيّر مسار التاريخ المصري. فبمجرد سقوط مصر في يد الفُرس، دخلت البلاد في مرحلة من الاستعمار الفارسي استمرت عقودًا، جُردت خلالها من استقلالها السياسي ومكانتها الحضارية التي كانت قد تربعت بها على عرش الشرق لقرون طويلة.
الملك بسامتيك الثالث، آخر حكام الأسرة السادسة والعشرين، تم أسره وإعدامه بعد الهزيمة، ما مثّل نهاية الأسرة الصاوية وبداية خضوع مصر لحكم أجنبي مباشر. وسرعان ما أصبحت البلاد مسرحًا للتنازع بين قوى كبرى، من الفُرس إلى الإغريق ثم الرومان، وصولًا إلى العصور الوسطى.
درس في الحرب النفسية والثقافية
تكشف هذه القصة النادرة عن أهمية فهم العدو وتاريخه ومعتقداته في إدارة الصراع. فقَمبيز الثاني لم يكن فقط قائدًا عسكريًا، بل قارئًا بارعًا لنفسيات الشعوب، استخدم ما يعرف اليوم بـ"الحرب النفسية"، وسلاحه كان هو الإيمان المصري بالقطط كرمز مقدس.
لم يكن ذلك انتصارًا للعدد أو القوة، بل للعقل والاستراتيجية. ورغم ما تحمله القصة من غرابة، فإنها وثّقت عبر مصادر تاريخية عديدة مثل كتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوت، وبعض النقوش الفارسية القديمة، لتظل إحدى أكثر القصص إثارة في تاريخ الحروب القديمة.
أصداء الحادثة في الذاكرة التاريخية
اليوم، تُروى هذه الواقعة في كتب التاريخ ومتاحف العالم، لا لتُثير السخرية أو الدهشة، بل لتُذكر بأن الثقافة والدين والمعتقدات يمكن أن تكون عوامل حاسمة في انتصار أو انهيار دول بأكملها.
ربما لم تتكرر حادثة كهذه في العصر الحديث، لكنها تبقى رمزًا خالدًا لقوة المعتقد، وخطورة الجهل بتفاصيل الخصم، وتظهر لنا كيف يمكن لفكرة واحدة أن تهدم جيوشًا... أو تحفظ بلادًا.
من رحم هذه الحكاية، نتعلم أن الحروب ليست دائمًا ساحة للدماء، بل أحيانًا تكون ساحة للأفكار، ولعل المصريين القدماء – رغم ما عرفوا به من براعة في البناء والتنظيم – سقطوا ضحية احترامهم المقدس للقطط. لقد كانت الهزيمة حينها أخلاقية قبل أن تكون عسكرية، حين جعلتهم معتقداتهم عاجزين عن التصدي لعدو استخدم ذكاءه أكثر من سيفه.
قصة غزو مصر، سقوط مصر القديمة، حملة الفرس على مصر، قَمبيز الثاني، القطط في مصر القديمة، الحرب النفسية في التاريخ، بسامتيك الثالث، تاريخ مصر الفرعونية، الدهاء العسكري، الإلهة باستت، كيف سقطت مصر بقطط، هيرودوت ومصر، المعتقدات الدينية في الحروب، تأثير الدين في المعارك، الفرس في مصر، سقوط مصر القديمة، حملة قَمبيز الثاني، غزو الفرس لمصر، الإلهة باستت، القطط في مصر القديمة، الحرب النفسية القديمة، بسامتيك الثالث، تاريخ مصر القديم، القطط المقدسة، الأسلحة غير التقليدية في الحروب، كيف سقطت مصر الفرعونية، تكتيكات حربية تاريخية.