الخميس 26 يونيو 2025 12:00 صـ 1 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

مأساة هيروشيما .. عندما صار الموت سلعة في سوق الكبار

الأربعاء 25 يونيو 2025 09:07 مـ 29 ذو الحجة 1446 هـ
انفجار هيروشيما
انفجار هيروشيما

في مشهد ساخر يتقاطع فيه العبث بالسخرية، يُقدَّم مشهد تاجر يعرض القنابل والمتفجرات كما لو كانت مجرد بضائع في سوق مفتوح، وكأن الموت أصبح سلعة تُباع وتُشترى، وسط هذا الاستعراض الهزلي الأسود، يتلاعب التاجر بالكلمات، مسمّياً القنبلة بـ"الطفل الصغير"، بينما يعلم الجميع أن هذه اللعبة المميتة على وشك أن تغيّر وجه العالم إلى الأبد.

تلك القنبلة، لم تكن سوى أول سلاح نووي يُستخدم في التاريخ، موجّهة إلى مدينة هيروشيما اليابانية صباح السادس من أغسطس عام 1945، في واحدة من أبشع الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية، وما تزال آثارها المشؤومة تطارد البشرية حتى اليوم.

المدينة التي لم تتوقع النهاية

في ذلك اليوم المشؤوم، أقلعت القاذفة الأمريكية "إينولا غاي"، تحمل معها قنبلة "الطفل الصغير"، التي ستحوّل مدينة هيروشيما، المسترخية في هدوء نسبي، إلى كرة من النار والجحيم، اعتقد سكان المدينة أنهم في مأمن، لا سيما مع شائعات عن وجود أقارب للرئيس الأمريكي هاري ترومان في المدينة، إلا أن الطمأنينة سرعان ما تبددت مع دوي الانفجار.

اللحظة التي انطفأ فيها نور الحياة

في تمام الساعة 8:15 صباحًا، أُلقيت القنبلة فوق مستشفى "شيما"، ليتحول النهار إلى ليل قاتم. ضوء مبهر أشد من الشمس، حرارة تفوق 3000 درجة مئوية، كرة نارية قطرها ربع كيلومتر، أحرقت البشر والحجر والنبات، وأبادت نحو 70 ألف شخص في ثوانٍ معدودة، أجساد تحوّلت إلى رماد، و"ظلال نووية" تركها الضحايا على الجدران والأرض، شاهدة على الكارثة.

الهروب إلى الأنهار والمطر الأسود

حاول الناجون، المصابون بالحروق، الهروب إلى الأنهار، لعلّ المياه تُخفّف من آلامهم، لكنها كانت مشتعلة هي الأخرى، كثيرون غرقوا، إما لعجزهم عن السباحة أو من شدة الإنهاك، لم تكد تمر نصف ساعة، حتى بدأ "المطر الأسود" يتساقط، محمّلاً بالرماد والجسيمات الإشعاعية، ليضيف إلى المأساة بعدًا آخر من الحروق والسموم والموت الصامت.

مدينة من الأشباح وجثث في كل مكان

تحوّلت شوارع هيروشيما إلى مسرح رعب حقيقي، أجساد محترقة، وجوه مشوهة، أشخاص يرفعون أيديهم في الهواء خوفًا من ملامسة جروحهم المؤلمة، جثث تغطي الطرق والمياه، ومشهد يفوق أفلام الرعب بأشواط.

الصدمة والإنكار في طوكيو

في طوكيو، العاصمة اليابانية، استغرق الأمر ساعات طويلة لفهم حجم الكارثة، الاتصالات قُطعت، والسكك الحديدية تعطلت، والجيش فقد الاتصال بالمدينة، قبل أن تصل برقية مختصرة تقول: "هيروشيما دُمّرت بالكامل، والحرائق تلتهم كل شيء"، حتى إعلان الرئيس الأمريكي ترومان عن استخدام القنبلة الذرية، لم يُقنع الجميع بحجم الكارثة، حتى رأوا بأعينهم مدينة تحوّلت إلى رماد.

القنبلة الثانية والاستسلام الحتمي

رغم صدمة هيروشيما، لم يستسلم اليابانيون على الفور، حتى جاءت القنبلة الثانية على ناغازاكي بعد ثلاثة أيام فقط، ما اضطرهم إلى إعلان الاستسلام، وإنهاء الحرب العالمية الثانية، وبدء فصل جديد من الألم والمعاناة للشعب الياباني.

طبيب الناجين.. شاهد حيّ على الجريمة

من بين 300 طبيب في المدينة، نجا القليل، أبرزهم الطبيب "ميتشيهيكو هاتشيا"، الذي دوّن في مذكراته تفاصيل ما رآه، من أعراض غريبة على الناجين، أبرزها الإسهال الدموي، البثور الجلدية، نزيف اللثة، وتساقط الشعر، في البداية ظنّ الأطباء أنها أمراض اعتيادية، قبل أن يدركوا أنهم أمام آثار إشعاعية غير مسبوقة.

هيروشيما.. مختبر بشري وجثث للدراسة

مع مرور الأيام، تحوّلت المدينة إلى مختبر مفتوح لدراسة آثار القنبلة الذرية، الأمريكيون فرضوا حصارًا إعلاميًا على اليابان، ومنعوا نشر أي تفاصيل، بينما أُرسلت أجساد الضحايا إلى المختبرات، وتحولت المدينة إلى حقل تجارب بشري، وسط تكتم دولي مخجل.

الهيباكوشا.. ناجون منبوذون

الناجون من القنبلة، المعروفون بـ"هيباكوشا"، عاشوا في الظل لسنوات طويلة، منبوذين اجتماعيًا، يلاحقهم شبح التشوهات والموت المبكر، عاجزين عن الزواج أو العمل، ومطاردين بوَصمة الإشعاع أينما ذهبوا.

مبادرات السلام ومحاولات الترميم

وسط هذا الدمار، بزغت حملات تضامن، أبرزها مبادرات الصحفي الأمريكي نورمان كوزين لدعم أيتام القنبلة، وعلاج "فتيات هيروشيما"، اللواتي شوهت القنبلة وجوههن، وفي عام 1949، انتُخب شينزو هاماي عمدةً للمدينة، ليحمل معه مشروعًا لإحياء هيروشيما وتحويلها إلى رمز عالمي للسلام، فبُنيت "حديقة السلام"، وأُدرجت "قبة السلام" في قائمة التراث العالمي.

اليوم.. هل تعلم العالم الدرس؟

اليوم، تحوّلت هيروشيما إلى مدينة خضراء، تزهو بكلمة "السلام"، لكنها تخفي تحت أنقاضها وجدرانها سؤالاً مؤلمًا: هل تعلّم العالم الدرس؟ فالعالم لا يزال يمتلك أكثر من 22 ألف قنبلة نووية، وسباق التسلّح مستمر، وكأن الإنسانية لم ترتوِ بعد من دماء هيروشيما وناجازاكي، ولم تتوقف عن المتاجرة بالموت تحت شعارات براقة.

عندما يُصبح الموت تجارة شرعية

بين مشهد التاجر الذي يروّج للقنابل بسخرية، وبين مدينة دُمّرت في لحظات، تتّضح الحقيقة الصادمة: الموت لم يعد فقط ضريبة للحروب، بل سلعة في سوق الكبار، تُباع، تُشترى، وتُبرَّر تحت مسميات السياسة والردع والسلام الزائف، ليبقى درس هيروشيما شاهدًا صامتًا، وعبرة لم يتعلمها العالم بعد.

هيروشيما، القنبلة الذرية، مأساة هيروشيما، الطفل الصغير، القصف النووي، أمريكا، اليابان، الحرب العالمية الثانية، ناغازاكي، كارثة نووية، آثار الإشعاع، مدينة هيروشيما، ميتشيهيكو هاتشيا، قنابل للبيع، الموت النووي، مأساة إنسانية، الكارثة النووية، ترومان، أوبنهايمر، مطر أسود، ظل نووي، الضحايا النوويون، السلاح النووي، سباق التسلح، جريمة ضد الإنسانية، قبة السلام، حديقة السلام، الناجون من القنبلة، هيباكوشا، تشوهات القنبلة الذرية، حملة أيتام هيروشيما، فتيات هيروشيما، مبادرات السلام، قانون تجريم القنبلة الذرية، دروس هيروشيما، معاناة اليابانيين، آثار الحرب النووية.

موضوعات متعلقة