الأربعاء 9 يوليو 2025 04:55 مـ 14 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

حين يسقط التوت

الأربعاء 9 يوليو 2025 02:04 مـ 14 محرّم 1447 هـ

يا للسخرية. كم توهمنا أن مشروع استعادة الدولة مشروع وطن عريض، يمتد بحجم دمعة أم على ولدها وصرخة شهيد في رمقه الأخير، فإذا به ينكشف في لحظة اعتقال شيخ قبيلة كستار مسرحي رخيص لا يستر عورة المصلحة والولاء الأعمى.

اعتقل محمد أحمد الزايدي في المهرة، فتبددت الحماسة الوطنية كما تتبدد أوراق التوت اليابسة. صار معيار الحق والباطل هو القرب والبعد، الصداقة والعداوة، القبيلة والعمامة.

تناسوا دماء حنتوس الطرية التي لم تجف بعد، وصمود الشدادي حتى آخر رصاصة، وغياهب السجون التي ابتلعت قحطان، وتجاهلوا سقوط الدولة نفسها كصرح مهجور.

أي مشروع هذا الذي تهتز بوصلته لمجرد توقيف شيخ؟ وأي نضال هذا الذي تسيره القبيلة لا المبادئ؟

هنا تتعرى الحقيقة بلا رتوش. لا شيخكم ولا قبيلتكم ولا جوقة “جيل واو” ستصنع وطنا. القضايا الكبرى لا تحتاج حناجر مشروخة ولا بيانات تضامن بائسة، بل تحتاج رجالا يقيسون مواقفهم بمسطرة الوطن لا بظل القبيلة.

هذا أمر يتكرر، ويتكرر للأسف في مواقع كثيرة، حين يسقط عتاولة الشرعية والمتغنون بها عند أول اختبار أو لحظة فقدان لمصالحهم. يجاهرون بانحيازهم الصريح بلا خجل، كأن الوطن مجرد غنيمة شخصية. وفي كل مرة، تصاب الشرعية برخاوة مريبة تكشف خللا مريعا في بنيتها واهتزازا خطيرا في معسكرها، حتى باتت قدرتها على إقناع الناس تتآكل مع كل مشهد ولاء أعمى وصوت قبلي مرتعش.

هي معركة ميادينها مختلفة وفوضاها متعددة، معركة لا تحسم بالشعارات الفارغة ولا بالتعصب الهراء الجاهلي. فلا تقوضوا ما بقي يمكن أن يرجح ميزان الشرعية بهذا الانحياز الأعمى، حتى لا ينجز الأقزام مشروعهم الحقير وتصبح البلاد مستباحة للتافهين والمغامرين. إن أخطر ما يواجه الشرعية اليوم هو انقسامها الداخلي وافتقادها القدرة على ضبط مواقف أنصارها حين يختبرون الولاء الحقيقي للوطن.

يا هؤلاء، ما أسهل الهتاف وما أجبن المواقف حين يأتي الامتحان.

نحن نفرق بين الانتهاك وبين المجرمين ومساندي القتلة. نفرق بين من سُرقت حقوقه بسطوة الغلبة، وبين من يسرق حق الوطن كله ليغطي عجزه ويفرغ نضال الناس من معناها. نعرف أن الانتهاك جريمة، لكن الأشد إجراما هو تبرير القتلة والركض خلف عمائمهم وخرافاتهم وخطاباتهم البائسة. أولئك الذين يصرخون اليوم دفاعا عن شيخ لمجرد أنه “قريبهم” شركاء صغار في جريمة كبرى اسمها اغتيال الوعي.

احترموا الدولة قليلا. اتركوه للقضاء ليقول كلمته دون ضجيج القبيلة ولا صراخ الولاءات العمياء. إن كنتم تؤمنون حقا بفكرة الدولة، فأقل ما يمكن أن تفعلوه هو أن تمنحوها لحظة احترام. هذه اللغة المليئة بالتجييش والتهديد عار وعيب ولا تليق بمن يزعم أنه يرفع راية الشرعية. الدولة لا تدار بالبيانات العصبية، ولا تبنى على الولاءات القبلية، بل تصان حين نترك مؤسساتها تؤدي واجبها بكرامة واستقلال.