السبت 23 أغسطس 2025 11:41 مـ 29 صفر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

”إعادة ضبط المصنع”.. الحوثيون بين التزوير التاريخي وممارسات التطهير

السبت 23 أغسطس 2025 10:31 مـ 29 صفر 1447 هـ
”إعادة ضبط المصنع”.. الحوثيون بين التزوير التاريخي وممارسات التطهير

في منشور على صفحتي بموقع (X)، قلت بأن الحوثيين ينفذون عملية تطهير ممنهجة ومتعددة الأبعاد مثل التطهير العرقي والديني والطائفي والاقتصادي.
وتفاعلا مع التغريدة، رد أحد الحوثيين قائلا بأن جماعته تقوم بعملية "إعادة ضبط المصنع" في مناطق سيطرتها. في الحقيقة لم يفاجئني هذا الرد مع عدم دقته، لأن الحوثيون لا يقومون بإعاده ضبط المصنع، بل بإعادة هندسة المجتمع وتنصيب برنامج سلالي خاص بهم ولا يتحقق ذلك إلا عبر اجتثاث النظام الفكري والثقافي السابق.
قبل الحديث عن رد السلالي حول "إعادة ضبط المصنع"، دعوني أوضح أصل كلمة "تطهير".
ولتوضيح المعنى الدقيق، تعرف بعض المؤسسات الدولية التطهير العرقي بأنه "محاولة خلق حيز جغرافي متجانس عرقيا بإخلائه من مجموعة عرقية معينة باستخدام القوة المسلحة، أو التخويف، أو الترحيل القسري، أو الاضطهاد، أو طمس الخصوصية الثقافية واللغوية والإثنية، عبر القضاء عليها نهائيا أو تذويبها في المحيط الإثني الذي يُراد له أن يسود" (الجزيرة نت). أليس هذا ما يقوم به الحوثيون اليوم؟
التطهير السياسي: "عملية استبعاد السلطة الحاكمة أو القيادة للعناصر المعارضة أو المعادية لها، سواء تمّ ذلك عبر الاغتيال أو الاعتقال أو النفي، وقد يقع تصنيف هؤلاء المعارضين السياسيّين على أنّهم خطر على المجتمع، ومن ثمّ يتم تشريع الإجراء المتّخذ في حقّهم وقد يصل أحيانًا إلى درجة الإعدام الجماعي، وهو مظهر من مظاهر الاستبداد في الأنظمة الديكتاتوريّة" (مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث). أليس هذا مطابقا لسياسات الحوثيين ضد الأحزاب السياسية على رأسها المؤتمر والإصلاح؟
التطهير الديني أو بمعنى أدق الاضطهاد الديني: "الاضطهاد الديني المنهجي هو سوء المعاملة لفرد أو مجموعة من الأفراد بسبب انتمائهم الديني" (تقرير بعنوان: شبح الإبادة الأيديولوجية: البهائيون في إيران). وهذا بالضبط ما يفعله الحوثيون ضد اليهود والبهائيين اليمنيين منذ سنوات.
أما مصطلح التطهير الطائفي، فقد استخدمته للتعبير عن واقعنا، وتعريفه لا يختلف عن تعاريف التطهير العرقي والتطهير الديني، وهذا ما يمارسه الحوثيون بالضبط مع السلفيين وبقية التيارات السنية في اليمن من خلال فرض نشر التشيع بوسائل مختلفة. فهم ينفذون عمليات ممنهجة ضد السنة في اليمن وهو استهداف لانتمائهم المذهبي، وذلك باستخدام وسائل تشمل القتل أو التهجير القسري أو الاعتقال أو التعذيب والتجويع أو تدمير أماكن العبادة والمعالم الثقافية الخاصة بها وحرق ومصادرة المكتبات بهدف القضاء على وجودها أو نفوذها في منطقة معينة ونشر مذهب آخر بديلا عنه.
وكذلك التطهير الاقتصادي، وذلك عن طريق نهب رؤوس الأموال الوطنية ومحاولة الدفع بالتجار ورجال الأعمال إلى الإفلاس مقابل تصعيد تجار ورجال أعمال يتبعون السلالة أو الجماعة "العرقطائفية".
وبعد استعراض تعريفات التطهير بمختلف أشكاله، يمكننا فهم ما يقصده الحوثيون عندما يستخدمون عبارة "إعادة ضبط المصنع"، فهي ليست مجرد تعبير عابر في مواقع التواصل الاجتماعي، بل غطاء لسياسات تطهير شاملة بأبعاد مختلفة. عمليا، هم يقصدون بهذه العبارة، إحلال مشروعهم "العرقطائفي" محل البنية الأصلية والهوية الثقافية للمجتمع اليمني.
يقول الحوثيون وبكل وقاحة إنهم يقومون بـ"إعادة ضبط المصنع" في اليمن. والتاريخ يقول إن "المصنع الأصلي" قبل مجيء يحيى الرسي عام 284هـ كان سنيا وحضاريا، واليمنيون كانوا ملوكا على أرضهم، أحرارا في معتقداتهم.
إذن، فالضبط الحقيقي يعني العودة إلى يمن ما قبل وجود السلالة في اليمن، لا إلى نسخة الإمامة المعدلة (الحوثية).
للعلم.. ما يجب أن يعرفه الجميع، أن اليمنيين كانوا جميعهم سنّة قبل مجيء يحيى الرسي، وهذا ما تؤكده كتب ما يسمى بالزيدية نفسها. فكاتب سيرة الرسي في كتابه "الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم"، يؤكد بأن الرسي واجه حضورا فاعلا لمذاهب أهل السنة على اختلاف مدارسهم في أبرز المدن اليمنية، حتى وصل المؤلف إلى القول في سياق التفاخر بدوره في نشر التشيع لـ"آل البيت" بأن "المذهب السني في أصوله وفروعه كان هو المذهب الرسمي لأهل اليمن حينذاك" وهذه نقطة جوهرية، لأنها تنسف أكذوبة مجيء الرسي ليملأ فراغا دينيا، بل جاء لاستهداف واقع إسلامي قائم ليقضي عليه ويفرض رؤيته الدينية الخاصة، والقائمة على الولاية لما يسمى "آل البيت".
إن ما تسميه العصابة بـ"إعادة ضبط المصنع"، ليس إلا عملية إعادة صياغة شاملة للمجتمع اليمني وفق أهواء ورغبات السلالة العنصرية، تُفرَض بالقوة والتجويع والترهيب، وتسعى إلى هوية اليمنيين الدينية والثقافية والسياسية واستبدالها بهوية عرقطائفية.
لكن الحقيقة التي يسجلها التاريخ، وتقر بها حتى المصادر والمراجع الزيدية نفسها، أن "المصنع الأصلي" لليمن كان سنّيا حضاريا متنوعا، وأن اليمنيين كانوا ملوكا على أرضهم قبل أن تأتي خرافة "آل البيت" والسلالة من خارج البلاد لتصنع فيه الفتن والحروب.
وبناء على ذلك، فإن "الضبط الحقيقي" لا يكون بإلغاء هوية اليمنيين، بل بإعادة اليمن إلى أصله القائم على التنوع.. أرضا يعيش عليها مجتمع يتعايش فيه الجميع ويحترم التنوع ولا يمكن ذلك إلا بعد تجريم أي معتقد قائم على العنصرية والاستعلاء.
· المعلومة منقولة من سيرة الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليه السلام (تحقيق)، المؤلف: علي بن محمد بن عبيد الله العباسي العلوي (توفي سنة 297 هـ)، تحقيق: حمود عبد الله الأهنومي، مركز شهارة للدراسات والبحوث، مؤسسة الثورة للصحافة والطباعة والنشر التابعة للحوثيين، (الطبعة الأولى)، 1443هـ / 2021م، ص 70 – 73.

216.73.216.10

موضوعات متعلقة