الإثنين 18 أغسطس 2025 12:58 مـ 24 صفر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

الإمامية الحاكمة في اليمن والمَلَكيّات العربية المعاصرة

الإثنين 18 أغسطس 2025 02:20 مـ 24 صفر 1447 هـ
الإمامية الحاكمة في اليمن والمَلَكيّات  العربية  المعاصرة

الإمامية في اليمن ، لاتملك شرعية الأنظمة الملكية في الجزيرة العربية ، لسبب بسيط ، أن الأنظمة الملكية في الجزيرة ، اكتسبت شرعيتها ، بإنشاء كيانات مستقرة كما في السعودية وغيرها .

216.73.216.175

بينما الإمامية في اليمن تشكّل بطبيعتها صراعاً داخل المجتمع اليمني بمجرد وصولها للحكم ، وبالتالي يفجّر الإمام حرباً أهلية داخلية بين مناصر له ومعارض ، ولاينتهي ذلك الصراع إلا بزوال الإمامة الحاكمة.

الدول الكبرى في اليمن عبر التأريخ الإسلامي ، والتي كان أشهرها الدولة الرسولية والتي استمرت أكثر من مأتي عام ، شهدت اليمن كاملة في ظلها نهضة علمية واسعة وقوة عسكرية مهيبة ، كانت تشارك في المجهود الحربي وخاصة فترة الحروب الصليبية والتترية ، وكان نفوذ الدولة اليمنية وقتها يمتد حتى إلى مكة ومدارس علمها وكسوة كعبتها ، وكان مركب الحجيج اليمني يقدم على سائر الحجيج.

وقد تلت الدولةَالرسولية ، الدولةُ الطاهرية ، التي استمرت أكثر من مأة عام.

أمّا الإمامية الحاكمة في اليمن فلم تعمّر لفترات طويلة ، عبر التأريخ اليمني ، وكانت الفترة الوحيدة التي طالت نسبياً هي فترة الإمام يحيى ، التي كان لوجود الدولة العثمانية أثره في ذلك الاستقرار النسبي ، حيث منح الباب العالي العثماني لونا من الحكم الذاتي للإمام يحيى في إطار الدولة العثمانية ، وبمجرد نهاية الخلافة العثمانية والغائها ، سقطت شرعية الإمام يحيى في نظر العديد من اليمنيين وخاصة النخبة المثقفة والعلمائية ، وبدأت الحركة الوطنية اليمنية ضد الإمام ، والتي تتوجت بثورة 1948 .

وقد حاول رجال الحركة الوطنية قبل تلك الثورة ، اقناع الإمام يحيى لتطوير اليمن والنهوض به ، ولكن كل تلك الجهود ذهبت سدى*، نتيجة لطبيعة الإمامية الحاكمة المنغلقة عبر تأريخ اليمن ، ولاعتماد الإمامية الحاكمة على دعوى حقها الإلهي في المسيدة على شعب اليمن ، مما شكّل عبر التأريخ حاجزاً نفسياً نحو الشعب اليمني.

يكفي الإشارة ، أن الإمام يحيى بعد الانسحاب العثماني من اليمن ، قام بإلغاء مراكز علمية ومهنية وطبية ومدارس تمريض ، وحوّلها إلى قصور سكنية ومواقع عادية .

وكذلك قام الإمام بالغاء مشروع عملاق للمواصلات ، كان سيربط اليمن بالعالم بخط قطار يصل إلى صنعاء*.

اليمن أيضا ، كانت مؤهلة للتنقيب عن النفط فيها ، قبل السعودية ، ولكن الإمامة الحاكمة لم تسمح بذلك ، مصرة على إبقاء اليمن دون الاستفادة من ثرواته ، النفطية وغير النفطية.

عبر التأريخ اليمني الطويل ، سِيَر أولئك الأئمة والتي كتبها أتباعهم ، تشكل سجلاً تأريخيا لذلك الصراع بين الإمامة الحاكمة وجموع الشعب اليمني ، والذي تشكلت من خلاله أحكام إمامية فقهية جائرة ظالمة ، نحو جموع الشعب اليمني ، من إباحة سفك الدماء وسلب أموال اليمنيين وتكفير المخالفين منهم للإمام ، ووصل الأمر إلى سبي نساء المخالفين وغير المخالفين ، من أتباع المذهب أو غيرهم .

هذه الأحكام الجائرة ، مثبتة في سيرهم تلك ، وكما نبه إلى ذلك فيلسوف ثورة 1948 ، الشهيد أحمد المطاع ، عندما حث على قراءة سير الأئمة التي كتبها أتباعهم ، لمعرفة مدى الجور والظلم الذي عانى منه اليمنيون في ظل حكم أولئك الأئمة ، وأن تلك السير الموثقة تغني عن أي كتابات أخرى لمعرفة أحوال أولئك الأئمة .

ذكر والدي رحمه الله ، في كتابه ؛ "اليمن الإنسان والحضارة " ذلك تفصيلاً منوّها لما ذكره الشهيد المطاع .

طبيعة الإمامية الحاكمة في اليمن ، أيضاً أوجدت تقسيماً طبقياً مقيتاً ، يقوم على التميز السلالي للأسر الإمامية ، والحط من جموع الأفراد والأسر المنشغلة بالأعمال والحِرَف.

رجال الحركة الوطنية اليمنية ونتيجة تجارب طويلة من ذلك الصراع ، وجدوا بأن النظام الجمهوري الذي تشكل في ستينات القرن الماضي ، هو الوحيد الكفيل بتخطي أزمة الإمامية الحاكمة داخل اليمن .

صحيح أن النظام الجمهوري ، لم يصل إلى طموحات رجال الحركة الوطنية ، ولكنه كسر الحواجز النفسية والمجتمعية والطبقية التي كانت في ظل الإمامية الحاكمة ، وكان أبرز تلك المنجزات ، فتح التعليم أمام جموع الشعب ، وبالتالي وصول أفراد الشعب إلى مواقع علمية ومجتمعية ومدنية وعسكرية ، لم تكن متاحة في ظل الأمامية الحاكمة .

الإمامية الحاكمة يكفيها خجلاً في اليمن ، عبر التأريخ اليمني ، أنها سجلت في ظل حكمها ، أعلى نسبة للأمية والجهل والفاقة والخرافة والمرض والموت في أوساط الشعب اليمني ، وكانت المقابر التي نشأت في ظل الإمامية الحاكمة ، وخاصة في صعدة ، تشكل رقماً قياسياً في حجم المقابر في عموم المنطقة العربية.

الجمهورية اليمنية ، لم تكن بمعزل عن جمهور اليمنيين ، وقد أثبت اليمنيون التفافهم حول جمهوريتهم ، وكان أبرزها ملحمة السبعين يوماً الشعبية والعسكرية ، لفك الحصار عن العاصمة اليمنية الجمهورية صنعاء ، بعد انسحاب القوات المصرية المساندة للثورة اليمنية في ستينات القرن الماضي.

من المخجل اليوم ، أن يأتي أميون بالتأريخ اليمني من بعض أبناء القبائل اليمنية، وممن يحملون ألقاباً علمية ، ليمجّدوا الإمامية الحاكمة في اليمن ، وهم ولولا النظام الجمهوري ، لما حملوا تلك الألقاب العلمية ، وصاروا ممن يشار اليهم بالبنان ، فقليلاً من الخجل ياأفندية ‼️

————

* للتفصيل أكثر ، يمكن الرجوع إلى كتاب والدي ؛ "اليمن الإنسان والحضارة" ، وكذلك الموسوعة التأريخية ؛ "هِجَر العلم" ، للمؤرخ الكبير ، إسماعيل الأكوع.

**كتاب "شواهد النهضة اليمنية في العهد العثماني ، دراسة وثائقية مصورة" ، للباحث المؤرخ ، علي بن جار الله بن الذيب ، يعتبر سجلاً حافلاً في مجاله ومميزا.