”قبل 26 سبتمبر .. حملة حصر سكاني وحظر ليلي.. هل يخشى الحوثي من انتفاضة شعبية؟”

في وقت يستُعد فيه اليمنيون للاحتفال بذكرى ثورة 26 سبتمبر، الرمز الأبرز للجمهورية والانعتاق من النظام الإمامي، تُغلق مليشيات الحوثي الأبواب، ليس فقط على الاحتفالات، بل على الحركة والتنفس نفسه.
تشديد أمني غير مسبوق، حملة حصر سكاني شاملة، تفتيش ليلي دقيق، ومنع للحفلات واعتقالات عشوائية — كلها إجراءات تُنفذ بمنهجية عالية في صنعاء ومدن يمنية أخرى، في توقيت لا يمكن أن يكون مصادفة: فقط أيام تفصلنا عن الذكرى الـ62 للثورة الجمهورية.
"الخوف من 26 سبتمبر": تشديد أمني استباقي يشل صنعاء
مع اقتراب موعد الاحتفالات الوطنية بـثورة 26 سبتمبر 1962، التي أنهت حكم الإمامة في اليمن، تُكثف مليشيات الحوثي من إجراءاتها الأمنية في العاصمة صنعاء، في خطوة تُقرأ على أنها محاولة لـمنع أي تجمعات جماهيرية أو تعبيرات شعبية مؤيدة للجمهورية، قد تتحول إلى مظاهرات مناهضة للجماعة.
216.73.216.109
ومنذ مطلع أغسطس 2025، بدأت الجماعة بتنفيذ عملية حصر سكاني واسعة، تشمل الحارات السكنية، الأسواق، وحتى عمال النقل والحمّالين، في حملة تُوصف بأنها الأكبر من نوعها منذ سنوات، وفق مصادر محلية وأمنية.
"لا يمكن فصل هذه الحملة عن توقيتها. 26 سبتمبر ليس مجرد تاريخ، بل تهديد وجودي للحوثي الذي يُعيد إحياء الإمامة بذريعة الدين"
— محلل سياسي يمني، طلب عدم الكشف عن هويته
حملة "البيانات الشاملة": من يُراقب ومن يُستبعد؟
أفاد سكان في أحياء "الثورة"، و"الحصبة" أن عقال الحارات بدأوا بزيارة الشقق، خصوصًا المستأجرة، ومطابقة الهويات، ثم تسجيل بيانات تفصيلية تشمل:
- الاسم الكامل
- رقم الهوية
- محل الميلاد
- مكان العمل
- رقم الهاتف
- مدة الإقامة في الحارة
وأكد أحد السكان أن "العقال كانوا يسألون عن انتماءات سياسية غير مباشرة، مثل: هل لديك أقارب في عدن؟ هل سافرت إلى مناطق الحكومة؟"، مشيرًا إلى أن "الجو العام في الحارات أصبح متوترًا".
وقد كشف مصدر أمني يعمل في عمليات أمانة العاصمة أن هذه البيانات تُرسل إلى جهاز استخبارات الشرطة الذي يُدار من قبل علي حسين الحوثي، نجل شقيق زعيم الجماعة، بهدف "بناء ملفات أمنية محدثة لكل شخص يُشكّل إمكانية تهديد في الفترات الحساسة".
الأسواق تحت المجهر: حتى النائمون في المتاجر مُراقبون
ولم تقتصر الحملة على السكان، بل امتدت إلى الأسواق التجارية الكبرى، حيث طلبت الأقسام الأمنية من عقال الأسواق جمع بيانات العاملين، بمن فيهم:
- حمّالو البضائع
- عمال التحميل في أسواق الجملة
- أصحاب البسطات الليلية
- النائمون في المتاجر أو تحت الأشجار
وأوضح مصدران أمنيان أن "الهدف هو منع تسلل عناصر مسلحة أو نشطاء سياسيين يستغلون الفوضى الحركية في الأسواق"، لكن مراقبين يرون أن "العملية تُستخدم كذريعة لمراقبة كل من يُمكن أن يُنظم أو يشارك في أي نشاط موالٍ للجمهورية".
دوريات ليلية ونقاط تفتيش: صنعاء تحت الحصار
في موازاة ذلك، بدأت مليشيات الحوثي بتسيير دوريات أمنية ليلية مكثفة في شوارع صنعاء، خصوصًا بعد منتصف الليل، بناءً على توجيهات صادرة من عمليات وزارة الداخلية في منتصف أغسطس.
وأكد مصدر أمني جنوبي في العاصمة أن "عناصر استخباراتية بدأت بالانتشار في الأحياء، وتقوم بتسجيل أسماء المارة، وتصوير المركبات، خصوصًا في المناطق التي شهدت مظاهرات سابقة".
كما انتشرت نقاط تفتيش ليلية في:
- مداخل الحارات
- الشوارع الرئيسية
- طريق يريم - دمت
- نقطة نقيل يسلح (المدخل الجنوبي لصنعاء)
وأفاد ضابط في نقطة نقيل يسلح أن "التعليمات تقضي بالتحقق من جهة قدوم المسافر، وتدقيق هويته في حال كان يحمل اسمًا شائعًا أو يُظهر توترًا".
منع الحفلات واعتقال متعاطي القات: قمع للحياة اليومية
في خطوة تُعدّ امتدادًا للقمع الرمزي، أصدرت الأجهزة الأمنية تعميمات تقضي بـ:
- منع إقامة الحفلات في صالات الأفراح بعد منتصف الليل
- القبض على متعاطي القات في الشوارع العامة بعد الساعة 1:00 ليلاً
وأكد ناشطون أن "الحظر يستهدف بشكل غير مباشر أي تجمعات جماهيرية، حتى لو كانت مدنية"، مشيرين إلى أن "الحوثي يخشى من أن تتحول أي تجمّع إلى شرارة احتجاجات وطنية في 26 سبتمبر".
تحليل: لماذا أغسطس؟ ولماذا الآن؟
رغم ادعاء الجماعة أن هذه الإجراءات " روتينية ووقائية"، إلا أن توقيتها يشير إلى عكس ذلك.
ففي السنوات الماضية، تزامن التشديد الأمني في أغسطس مع:
- محاولات تمرد داخلية
- اغتيالات لقيادات حوثية
- تحركات سرية لخلايا معارضة
كما أن 26 سبتمبر يُعدّ رمزًا مهددًا لمشروع الحوثي، الذي يُعيد تأسيس نظام إمامي تحت غطاء "الجمهورية الإسلامية"، ويرفض الاحتفال بالثورة، ويعتبرها "انقلابًا على الشرعية الدينية".