”البنك المركزي يطلق مزادًا ماليًا نادرًا.. هل تُفتح صفحة جديدة في الاقتصاد اليمني؟”

أعلن البنك المركزي اليمني في عدن، مؤخرًا، عن إطلاق مزادين لطرح أدوات الدين العام المحلي، تتضمن إصدار سندات خزانة طويلة الأجل لأجل ثلاث سنوات، وأذون خزانة قصيرة الأجل لأجل سنة واحدة، في خطوة تُعد من أبرز الإجراءات المالية التي تُتخذ لمعالجة العجز المالي وتعزيز الاستقرار النقدي في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
216.73.216.139
وفي توضيح موسّع نشره عبر حسابه الرسمي على منصة "إكس"، استعرض الخبير الاقتصادي اليمني فارس النجار تفاصيل هذا الإعلان، مشددًا على أهميته كأداة غير تضخمية لتغطية العجز المالي وسحب السيولة الزائدة من السوق، إلى جانب فتح فرصة استثمار آمنة أمام البنوك والمؤسسات والمستثمرين.
أذون الخزانة: قروض قصيرة الأجل لتمويل الاحتياجات العاجلة
أوضح النجار أن أذون الخزانة هي أوراق مالية قصيرة الأجل (بمدة سنة أو أقل)، تصدرها الحكومة عبر البنك المركزي لتمويل احتياجاتها العاجلة. وتشير هذه الأداة إلى أن الحكومة "تستلف" من السوق – سواء من البنوك أو المؤسسات المالية أو حتى الأفراد – مقابل التزامها بسداد المبلغ الأصلي مع فائدة محددة بعد انتهاء المدة.
وأشار إلى أن هذه الآلية تُستخدم غالبًا لتغطية الفجوة المؤقتة بين الإيرادات والنفقات، دون اللجوء إلى طباعة النقود، وهو ما يساعد في الحفاظ على استقرار العملة الوطنية وتجنب التضخم.
السندات الحكومية: ديون طويلة الأجل بعوائد دورية
أما السندات الحكومية، فهي أدوات دين طويلة الأجل تمتد مدتها إلى ثلاث سنوات أو أكثر، وتُعد من أدوات التمويل الرسمية للدولة على المدى المتوسط. وتُدفع فوائدها بشكل دوري – غالبًا كل 6 أشهر – بينما يُسدَّد المبلغ الأصلي عند انتهاء المدة.
وأكد النجار أن هذه السندات تُعد خيارًا استثماريًا جذابًا للمدخرين والمؤسسات، لما توفره من ضمانات حكومية وعوائد محددة، خاصة في بيئة اقتصادية غير مستقرة تعاني من تقلبات كبيرة في أسعار الصرف والمضاربات المالية.
لماذا تلجأ الحكومة إلى إصدار هذه الأدوات؟
أوضح الخبير الاقتصادي أن الهدف الرئيسي من إصدار أذون وسندات الخزانة هو تغطية العجز المالي الناتج عن توقف صادرات النفط، وضعف كفاءة النظام الضريبي وتحصيل الإيرادات، في ظل التزامات ملحة تشمل صرف المرتبات المتأخرة لثلاثة أشهر، وتمويل الرواتب الجارية، ودعم بعض البرامج الحكومية الأساسية.
وأشار النجار إلى أن البنك المركزي يُقدِم على هذه الخطوة نيابة عن الحكومة، بهدف جمع السيولة من السوق بشكل نظامي، وتجنب الطرق التقليدية والمُعدَّة تضخمية، مثل:
- طباعة العملة الورقية الجديدة.
- السحب على المكشوف من حسابات الدولة.
- الاقتراض المباشر من البنك المركزي.
وأضاف: "هذا الإجراء لا يُعد تحميلًا للدولة بديون جديدة فحسب، بل هو أيضًا وسيلة فعّالة لسحب السيولة الزائدة من أيدي المضاربين الذين يستخدمون الأموال في تجارب محفوفة بالمخاطر تؤثر سلبًا على سوق الصرف، وتحويل هذه السيولة إلى قناة استثمارية آمنة ومربحة تخدم الاقتصاد الوطني".
تفاصيل المزاد: مواعيد، قيم، ومنصات إلكترونية
وكان البنك المركزي اليمني قد أعلن رسميًا عن فتح باب المشاركة في المزادين يوم الأربعاء الموافق 10 سبتمبر 2025م، حيث يُفتح المزاد في تمام الساعة 9:30 صباحًا ويُغلق في الساعة 11:00 ظهرًا من نفس اليوم.
وبحسب الإعلان، تم تحديد القيمة الأولية للمزاد كالتالي:
- المزاد طويل الأجل (سندات خزانة – 3 سنوات): 10 مليار ريال يمني.
- المزاد قصير الأجل (أذون خزانة – 1 سنة): 500 مليون ريال يمني.
مع الإشارة إلى أن هذه القيم قابلة للزيادة حسب الطلب واحتياجات السوق، ما يعكس مرونة في آلية التمويل.
كيف يمكن المشاركة؟
دعا البنك المركزي جميع الجهات المهتمة – من بنوك ومؤسسات مالية ومستثمرين أفراد – إلى تقديم عطاءاتهم عبر المنصة الإلكترونية Refintiv، وهي منصة متخصصة في إدارة عمليات تداول أدوات الدين.
وفي حال عدم توفر إمكانية الوصول إلى المنصة، يمكن للمشاركين إرسال عطاءاتهم عبر البريد الإلكتروني الخاص بالإدارة العامة للدين العام والاقتراض الحكومي في البنك المركزي، على أن يتم إدخال الطلبات نيابة عنهم من قبل فريق متخصص في البنك.
مؤشرات إيجابية لاقتصاد وطني تحت الضغط
يُنظر إلى هذا الإجراء باعتباره خطوة مهمة نحو تأهيل آليات التمويل العام وبناء سوق مالية منظمة، خصوصًا في ظل غياب بدائل تمويلية خارجية فعّالة بسبب الظروف السياسية والاقتصادية المعقدة التي تمر بها البلاد.
ويرى مراقبون أن نجاح هذه المزادات يعتمد على ثقة السوق في البنك المركزي والحكومة، وقدرتها على الوفاء بالتزاماتها المالية، إضافة إلى جاذبية أسعار الفائدة المطروحة مقارنة بالبدائل الأخرى.
خاتمة: نحو إدارة مالية أكثر انضباطًا
في ختام توضيحه، أكد فارس النجار أن مثل هذه الآليات تمثل "خطوة متقدمة نحو إدارة مالية أكثر انضباطًا وشفافية"، داعيًا إلى مزيد من الإصلاحات في مجال إدارة الدين العام، وتنمية الإيرادات، وتعزيز ثقة المواطن والمستثمر في الاقتصاد الوطني.
وأضاف: "الحل لا يكمن فقط في إصدار أدوات دين، بل في بناء اقتصاد منتج قادر على توليد الإيرادات، لكن في الوقت الراهن، هذه الأدوات تمثل خيارًا حيويًا لاستقرار المالية العامة وتفادي الانهيار النقدي".