الجمعة 12 سبتمبر 2025 10:53 مـ 20 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

وزير يمني : ”ما يحدث في صنعاء لا يُقال في الأمم المتحدة... لكنه يُبكي كل من لديه ضمير”

الجمعة 12 سبتمبر 2025 11:39 مـ 20 ربيع أول 1447 هـ
ارشيفية
ارشيفية

في مشهدٍ يجسد حجم المعاناة الإنسانية والحضارية التي تعيشها العاصمة اليمنية صنعاء تحت وطأة عدوان مستمر منذ أكثر من عشر سنوات، أطلق وزير الأوقاف والإرشاد الشيخ الدكتور محمد عيضة شبيبة، تصريحات مؤثرة وصارخة، وصف فيها المدينة القديمة بأنها "العين في الرأس"، داعيًا العالم إلى الوقوف عند مسؤولياته الأخلاقية أمام ما وصفه بـ"جريمة إنسانية وتاريخية" تُرتكب بحقها يوميًا.

216.73.216.105

في كلمته التي ألقاها خلال اجتماع طارئ للجنة الإرشاد الديني في صنعاء، لم يكتفِ الوزير بالتعبير عن الحزن، بل حوّل خطابه إلى اتهام صريح ومباشر للقوى الدولية والإقليمية المتورطة في العدوان، معتبرًا أن ما يتعرض له سكان صنعاء لا يُعدّ مجرد صراع عسكري، بل "مذبحة منظمة تستهدف الذاكرة الجماعية لليمن ككل".

وقال شبيبة بصوتٍ متوترٍ لكنه ثابت:"صنعاء ليست مجرد مدينة تُقصف بالطائرات والمدفعية، إنها العين في الرأس، والقلب النابض، والروح التي تنبض بالتاريخ. كل يمني، سواء كان في صعدة أو عدن، في حضرموت أو تعز، يشعر بالوجع حين تطالها يد الغدر والعدوان. عندما يُقصف مسجدٌ أو سوقٌ أو مستشفى، فإننا لا نفقد بيوتًا فقط، بل نفقد جزءًا من ذاكرتنا، وجزءًا من هويتنا."

وأضاف الوزير في تصريحات حملت طابعًا تاريخيًا ودينيًا عميقًا:"لا يمكن لأي يمني أن يقبل بتدنيس سماء صنعاء، أو أن يتعربد فيها طيران العدو، يُسقط القنابل على البيوت، ويقتل الأطفال أثناء نومهم، ويُحرق الكتب في المكتبات العامة، ويدمّر الآثار التي خلفتها حضارات آلاف السنين. هذا ليس حربًا، هذا إبادة ثقافية وإنسانية منظمة."

وأشار شبيبة إلى ما وصفه بـ"التحالف الظالم" الذي يقف خلف العدوان، مؤكدًا أن "العدو الداخلي" — في إشارة واضحة إلى قوى داخلية تعاونت مع التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات — هو من يفتح الباب لـ"العدو الخارجي" ليأتي ويُدمّر.

وقال:"هؤلاء الذين يُسمون أنفسهم حلفاء، لا يقيمون لليمن حرمة، ولا يضعون لدماء المدنيين وزنًا. إنهم يتعاملون مع اليمن كمختبر لأسلحة جديدة، وكملعب سياسي لتصفية حسابات إقليمية، بينما الشعب يموت جوعًا وبردًا وخوفًا."

ولم يتردد الوزير في تحميل القوى الإقليمية والدولية المسؤولية المباشرة، حيث قال بلهجة حادة:

"اجتمعت قوى الشر في هذا العدوان: الصهيونية التي ترى في اليمن بوابةً لاستراتيجيتها المتجسدة في فلسطين، والصفوية التي تحمل في طيّاتها حقدًا عقائديًا مغلفًا بشعارات زائفة، وكلها تتقاسم نفس المنطق: تدمير ما لا تستطيع السيطرة عليه. لقد استخدموا الدين كذريعة، واستغلوا التاريخ كوسيلة، وحوّلوا صنعاء إلى ساحة معركة لتفجير أحقادهم القديمة."

ووصف صنعاء بأنها "أم اليمن ومدينة التاريخ والحضارة"، موضحًا أن المدينة التي كانت مركزًا للعلوم والفلسفة والدين منذ عصور ما قبل الإسلام، أصبحت اليوم رمزًا للإبادة الحديثة، مضيفًا:

"في صنعاء، تعلمت البشرية كيف تكون الحرية، وكيف يكون العلم، وكيف يكون التسامح. اليوم، يُحاكَم هذا الإرث بقنابل موجهة من السماء، وبصمتٍ دوليٍّ مريبٍ يُشبه السكوت على جريمة إبادة جماعية."

وأكد شبيبة أن المعاناة في صنعاء لم تعد محصورة في الجانب العسكري، بل امتدت لتشمل "جرائم إنسانية متراكمة": انقطاع الكهرباء والماء، وانهيار النظام الصحي، وانهيار التعليم، وانتشار المجاعة، وتشريد الملايين، وتحول المدينة إلى "مقبرة جماعية بلا قبور مرقمة".

"ما يحدث هنا لا يبكي فقط من يملك ضميرًا، بل يُذلّ كل من يؤمن بمبادئ حقوق الإنسان، ويُفضح زيف الشعارات الأممية التي تُرفع على شاشات الأمم المتحدة، بينما تُستعمل أسلحتها في تفتيت الأحياء السكنية في صنعاء."

وأشار الوزير إلى أن منظمات حقوق الإنسان الدولية، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، قد أطلقت عشرات التحذيرات، لكنها لم تصل إلى مستوى الفعل، متسائلًا:

"هل يكفي أن نقول 'نأسف' بينما يموت طفل بسبب نقص الأدوية؟ هل يكفي أن ننشر بيانًا ندين فيه الهجمات، بينما الطائرات تعود كل ليلة لتقصف المساجد؟"

ودعا شبيبة المجتمع الدولي إلى "وقف هذا الجنون"، مطالبًا مجلس الأمن الدولي بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة، وفرض عقوبات فورية على الجهات الموردة للسلاح، وفتح ممرات إنسانية دائمة لنقل المساعدات، وتحديد مسؤولي الجرائم ضد الإنسانية في صنعاء لمحاكمتهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.

كما دعا جميع الأحرار في العالم — من علماء وفنانين وصحفيين ونشطاء — إلى "الخروج من صمتهم"، وقال:

"ليس كافيًا أن تكتبوا مقالات أو تنشروا صورًا. عليكم أن تضغطوا على حكوماتكم، وأن ترفضوا التمويل للحرب، وأن تُعلنوا أن صنعاء ليست مجرد اسم على خريطة، بل هي رمز للصمود، ورسالة للعالم: لا يمكن لشعبٍ أن يُمحى من التاريخ، حتى لو دُمّرت مدنُه."

وفي ختام كلمته، توجه الوزير إلى أبناء صنعاء، قائلاً:

"أنتم لستم وحدكم. نحن معكم. تاريخنا معكم. ديننا معكم. وأرضنا معكم. لن نسمح بأن تُمحى صنعاء من الوجود، لأنها ليست فقط عاصمة لنا، بل هي عاصمة للإنسانية."

خلفية ميدانية: تصعيد غير مسبوق وصمت دولي مقلق

تأتي هذه التصريحات في ظل تصعيد عسكري غير مسبوق في صنعاء خلال الأسابيع الأخيرة، شهد قصفًا مكثفًا لمناطق سكنية في حيّي "الصافية" و"الحوثية"، بالإضافة إلى استهداف مطار صنعاء الدولي (الذي يُستخدم حاليًا كمركز لإيصال المساعدات)، وعدد من المستشفيات والأسواق الشعبية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 120 مدنيًا، بينهم 43 طفلاً، وإصابة أكثر من 300 آخرين، وفق آخر إحصائيات منظمة "أطباء بلا حدود" في اليمن.

ومنذ بدء العدوان في مارس 2015، قُتل أكثر من 38 ألف مدني يمني، ودُمّرت أكثر من 60% من البنية التحتية في صنعاء، وفق تقرير صادر عن الأمم المتحدة في فبراير 2025، فيما لا تزال أكثر من 90% من السكان بحاجة إلى مساعدات إنسانية.

أما على المستوى الدولي، فلم تُصدر أي دولة غربية — باستثناء بعض التصريحات الرسمية المحدودة — موقفًا واضحًا يُدين العدوان، بل تستمر بعض الدول في تزويد التحالف بالأسلحة، في تناقض صارخ مع التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف والقانون الدولي الإنساني.

تصريحات وزير الأوقاف ليست مجرد كلمات، بل هي نداءٌ من قلب مأساة، يحمل في طيّاته صرخة شعبٍ لم يعد يملك شيئًا سوى إرادته وذاكرته. صنعاء التي عرفت أول مصحف مخطوط، ودار الحكمة، ومسجد الصحابة، تُحاكم اليوم بتهمة البقاء.
فهل سيسمع العالم صوتها قبل أن يُطفئ آخر أنفاسها؟