الجمعة 12 سبتمبر 2025 11:45 مـ 20 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

لا طبيب... ولا خبرة... لكنه ”رئيس المجلس الطبي”! كيف عيّن الحوثيون والد وزيرهم في أعلى منصب صحي؟

السبت 13 سبتمبر 2025 12:49 صـ 21 ربيع أول 1447 هـ
وزير صحة المليشيات
وزير صحة المليشيات

أصدر علي عبدالكريم شيبان، المنتحل صفة وزير الصحة في حكومة الحوثي غير المعترف بها دوليًا، أول قرار رسمي له بعد نجاته من غارات جوية إسرائيلية استهدفت مقرات حوثية في صنعاء قبل أيام. القرار، الذي وصفه مراقبون بأنه "صورة مصغّرة لطغيان النظام"، يتمثل في تعيين والده، عبدالكريم شيبان، رئيسًا لما يسمى بـ"المجلس الطبي اليمني" — هيئة جديدة أنشأها المتمردون مؤخرًا تحت ذريعة "إعادة هيكلة القطاع الصحي".

216.73.216.105

وقد جاء هذا التعيين ليُعيد فتح ملف الفساد المؤسسي والسلالي الذي تمارسه الجماعة منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء عام 2014، حيث لم تعد المناصب الحكومية — حتى الأكثر تقنيًا وحساسية — مجرد أدوات للسيطرة، بل أصبحت ميراثًا عائليًا يُورَّث كما تورَّث الأراضي أو الأموال.

وبحسب مصادر طبية داخلية مطلعة، فإن عبدالكريم شيبان، البالغ من العمر 72 عامًا، لا يمتلك أي خلفية طبية أو إدارية في المجال الصحي، بل كان يعمل في وظيفة روتينية في وزارة التجارة سابقاً، وهو ما يجعل تعيينه رئيسًا لأهم هيئة طبية في المناطق الخاضعة للحوثيين "استهتارًا صارخًا بالصحة العامة".

ويأتي هذا التعيين في سياق متصل بسلسلة من القرارات المشابهة التي اتخذتها الجماعة خلال السنوات الماضية، مثل تعيين أبناء وأقارب قيادات المليشيا في مناصب قيادية بمستشفيات مركزية، وتحويل مستشفيات عامة إلى مراكز تابعة لجهات عسكرية، وإقصاء الكوادر الطبية الوطنية المختصة بسبب انتماءاتهم السياسية أو دينية أو حتى بسبب رفضهم التزوير في إحصائيات الوفيات والأوبئة.

استياء واسع من كوادر طبية وخبراء دوليين

أثار القرار موجة استياء واسعة بين الأطباء والعاملين في القطاع الصحي، الذين أبدوا تخوفاتهم من تداعياته على جودة الخدمات الصحية، خاصة في ظل تفاقم أزمة نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، وانهيار البنية التحتية للرعاية الصحية، والتي وصلت إلى حدّ الإعلان عن تفشي أمراض كانت قد اختفت منذ عقود، مثل الكوليرا والحصبة.

وقال طبيب مختص في الأمراض المعدية، طلب عدم كشف هويته: "نحن نعيش في دولة مُصغّرة من الفوضى. عندما يُعيّن شخص لا يعرف الفرق بين المضاد الحيوي والمسكن ليكون 'رئيسًا للمجلس الطبي'، فهذا يعني أننا أمام نظام لا يهتم بصحة المواطن، بل فقط بولائه السياسي".

القطاع الصحي: من ركيزة للخدمة إلى أداة للسيطرة

يُعدّ القطاع الصحي في اليمن أحد أكثر القطاعات تضررًا منذ بدء الحرب، حيث دُمّرت أكثر من 60% من المرافق الصحية، ويعاني 21 مليون يمني من نقص حاد في الخدمات الطبية، وفق تقارير الأمم المتحدة. لكن ما يميز سياسات الحوثيين هو أنها ليست مجرد إهمال — بل هي استراتيجية منهجية.

فمنذ سنوات، تستخدم الجماعة المنشآت الصحية كمراكز للتجنيد، ونقاط لنقل المقاتلين، ومخازن لتخزين الأسلحة، وتُحوّل المساعدات الإنسانية إلى أدوات للابتزاز السياسي. أما الآن، فباتت التعيينات العائلية هي الوسيلة الجديدة لضمان السيطرة على كل طبقات القرار، حتى تلك التي تبدو تقنية أو علمية.

وتشير وثائق داخلية حصلت عليها مصادر صحافية إلى أن أكثر من 80% من المديرين العامين للمستشفيات في صنعاء وتعز والحديدة هم من أقارب قيادات المليشيا، بينما تم تسريح أو إبعاد أكثر من 3,000 طبيب وممرض مؤهل منذ 2020 لرفضهم الانضمام إلى "اللواء الطبي الموالي".

تحذيرات من انهيار كامل للمنظومة

وحذّرت منظمة "أطباء بلا حدود" في تقرير حديث، من أن "السياسات المنهجية لعزل الكفاءات وفرض ولاءات عائلية على القطاع الصحي تهدد بكارثة إنسانية طويلة الأمد، قد تستمر لعقود حتى بعد انتهاء الحرب".

وأضاف التقرير:

"لا يمكن إعادة بناء نظام صحي في اليمن إذا بقيت المعايير المهنية مهدومة، وإذا بقيت المناصب ملكًا لعصابة واحدة."

وفي الوقت الذي يسعى فيه المجتمع الدولي إلى تمويل برامج إغاثة طبية، فإن هذه التعيينات تجعل أي مساعدة إنسانية تتحول إلى دعم غير مباشر لنظام يُستخدم لقمع المواطنين وتوطيد سلطته، وليس لإنقاذهم.

ليس تعيينًا... بل إعلان حرب على الحياة

تعيين والد وزير الصحة المزعوم ليس مجرد فعل فردي، بل هو إعلان واضح بأن نظام الحوثي لا يرى في القطاع الصحي سوى قناة لترسيخ السلطة، وليس وسيلة لحماية الشعب. وفي ظل هذا النهج، يصبح الحديث عن "رعاية صحية" أو "حقوق الإنسان" في مناطق سيطرتهم مسألة سخرية.

فالشعب اليمني، الذي يموت يوميًا بسبب نقص الأدوية أو غياب الأطباء، لم يعد يطلب العدالة فقط — بل يطالب بكرامة بسيطة: أن تُعطى المناصب لمن يستحقها، لا لمن يحمل اسمًا مألوفًا في قائمة المحسوبين.

موضوعات متعلقة