مانشستر سيتي يُذلّ جاره يونايتد بثلاثية نظيفة في ”ديربي المدينة” ويعيد الأمل لموسمه

في لقاءٍ حاسمٍ لم يكن مجرد ديربي عادي، بل مواجهةً مصيريةً تُحدد مسار موسمٍ كله، انتفض مانشستر سيتي من بين أكوام الضغوط والشكوك، ليُذلّ جاره التاريخي مانشستر يونايتد بثلاثية نظيفة في ملعب "الإيتيهاد"، ويُعيد شرارة الأمل إلى قلب جماهيره بعد ثلاث جولاتٍ مخيبة للآمال. الانتصار الذي جاء بنتيجة 3-0 لم يكن مجرد فوز رياضي، بل كان إعلانًا صريحًا من المدرب الإسباني بيب غوارديولا بأنه لم يفقد السيطرة على مشروعه، بينما تعمّق أزمة روبن أموريم مع فريقه، الذي يغرق أكثر فأكثر في متاهة الفشل والإحباط.
ضغوطٌ تُحيط بالفريقين قبل البداية
216.73.216.105
دخل الفريقان المباراة وهما تحت وطأة ضغوطٍ غير مسبوقة. فبعد ثلاثة أسابيع فقط من انطلاق الموسم، كان كل من سيتي ويونايتد قد حقق فوزًا واحدًا فقط في الدوري، فيما تكبد كل منهما خسائرٍ مُحرجة وتعادلاتٍ مُخزية.
في الجانب الأزرق، كانت الخسارة أمام توتنهام (1-2) ثم الهزيمة المفاجئة أمام برايتون (1-2) — بعد أن كان سيتي يتقدم 1-0 — قد أثارت تساؤلاتٍ جادة حول إعادة هيكلة الفريق التي فرضها غوارديولا بعد احتلاله المركز الثالث الموسم الماضي لأول مرة منذ عشر سنوات. هل تحوّل "السيتي" من آلة دقيقة إلى فريقٍ يعاني من فقدان الهوية؟
أما يونايتد، فقد كان وضعه أسوأ. فبعد تعادلٍ مُخيب مع فولهام (1-1)، وخسارةٍ موجعة أمام أرسنال (0-1) على ملعبه، وخروجٍ مُهين من كأس الرابطة أمام فريق من المستوى الرابع — غريمسبي — أصبحت الشكوك تدور حول قدرة أموريم على إدارة الفريق، خاصة مع تكرار الأخطاء الدفاعية وغياب التنظيم التكتيكي. حتى قائد الفريق البرتغالي برونو فرنانديش، الذي سجّل ركلة جزاء في اللحظات الأخيرة للفوز على بيرنلي، لم يكن قادرًا على إسكات الصيحات المطالبة بإصلاح شامل.
إصاباتٌ تُثقل كاهل سيتي... لكنهم تجاوزوها
لم تكن المعاناة مقتصرة على النتائج فحسب. ففي وقتٍ حرجٍ، تعرّض المهاجم المصري عمر مرموش لإصابة في الركبة خلال مشاركته مع المنتخب الوطني في تصفيات أفريقيا المؤهلة لمونديال 2026، ما يعني غيابه لأسابيع. وأضيفت إليه إصابتان جديدتان في خط الوسط: الفرنسي ريان شرقي والكرواتي ماتيو كوفاتشيتش، مما أجبر غوارديولا على إعادة ترتيب صفوفه من جديد.
لكن ما كان يمكن أن يكون كارثةً تحول إلى فرصة. فبينما كان الجميع ينتظر انهيارًا، ظهر جيليمي دوكو كقائدٍ غير رسمي، وظهر جانلويجي دوناروما كحلٍّ ذكي لخلافة إدمان سيتي لحارسه السابق إيدرسون، في أول اختبار حقيقي له كحارسٍ أساسي.
بدايةٌ مذهلة، وتسجيلٌ مبكر
بدأ سيتي اللقاء كأنه فريقٌ يسعى لإنقاذ سمعته، وليس فقط نقاطه. وفي الدقيقة 18، افتتح التسجيل بطريقةٍ تُذكر بأفضل لحظات عهد غوارديولا: فيل فودن، الذي كان يخوض مباراةً شخصيةً مميزة، تسلل خلف خط الدفاع، ونفذ مجهودًا فرديًا رائعًا قبل أن يرسل عرضيةً متقنة من الجهة اليمنى، فوصلت إلى رأس أوغستين أوكانو، الذي هزّ الشباك برأسيةٍ قويةٍ لا تُردّ!
الهدف لم يكن مفاجئًا، بل كان ثمرة تفوقٍ تكتيكيٍ وتقنيٍ واضح. فسيتي سيطر على الكرة بنسبة 68%، وخلق فرصًا متعددة، بينما بدا يونايتد متردّدًا، مفكّكًا، وكأنه ينتظر حدوث شيءٍ خارج عن إرادته.
هالاند يعود... لكنه لم يفعل ذلك وحده
في الدقيقة 24، كاد تيجاني رايندرز أن يضاعف التقدم، لكن حارس يونايتد التركي ألتاى بايندير أنقذ فريقه بصده لقطتين متتاليتين. وحاول يونايتد الرد، فتصدى دوناروما لتسديدةٍ قوية من ركلة ركنية في الدقيقة 35، ليثبت أنه ليس مجرد بديل، بل خيارٌ استراتيجيٌّ ممتاز.
وبقيت النتيجة على حالها حتى الدقيقة 53، حين جاء الهدف الثاني، وهو الهدف الذي قد يُغيّر مسار الموسم. دوكو، مرة أخرى، هو من بدأ الهجمة، ثم أرسل كرةً متقنةً من الجهة اليسرى، وصلت مباشرةً إلى إرلينغ هالاند، الذي استقبلها بثقةٍ فائقة، وسدّد بقدمه اليسرى بحنكةٍ نادرة، مُرسلًا الكرة عبر مرمى بايندير في الزاوية العليا اليسرى — هدفه الرابع في أربع مباريات هذا الموسم.
لم يكِل هالاند، بل كان قريبًا من الهدف الخامس في الدقيقة 56، عندما استغل خطأً دفاعيًا، وانطلق بسرعةٍ مطلقة، لكن محاولته أرتدّت من القائم الأيسر، وكأن القدر يرفض أن يُكمل ملحمةً واحدةً في ليلةٍ واحدة.
دوناروما يُثبت وجوده... وهالاند يُنهي الحلم
وفي الدقيقة 61، تألق دوناروما مجددًا، حيث صدّ تسديدةً أكروباتيةً مذهلة من الكاميروني براين مبومو، لتكون تلك اللحظة نقطة التحول في مواجهة الحارس مع جماهير سيتي. لم يعد أحد يسأل "من سيصبح حارسًا بديلاً؟"، بل "هل أصبح دوناروما الخيار الأول؟".
لكن الضربة القاضية جاءت في الدقيقة 68، في لحظةٍ تُخلّد في ذاكرة ديربي المدينة. خطأٌ بسيط من لاعب يونايتد في وسط الملعب، خطفه برناردو سيلفا بذكاءٍ متناهي، وأرسل كرةً مثاليةً إلى هالاند، الذي تلقاها على بعد 35 مترًا من المرمى. ولم يُعطِ أي فرصةٍ لبايندير. تقدّم بثقة، وسدد كرةً أرضيةً قويةً على يمين الحارس، فدخلت الشباك بعنفٍ، وانفجر الملعب احتفالًا.
3-0. لا توجد مبررات. لا توجد مراجعات. فقط حقيقةٌ مطلقة: سيتي عاد، ويونايتد غرق.
يونايتد بلا هوية... وأموريم تحت المجهر
في المقابل، لم يُظهر يونايتد سوى محاولاتٍ متفرقة، وغيابًا تامًا للروح الجماعية. لم يكن هناك هجومٌ منظم، ولا خط وسطٌ مسيطر، ولا دفاعٌ منسجم. حتى برونو فرنانديش، الذي كان يُنظر إليه كمُنقذ، بدا مُحبطًا ومُنعزلًا. وعندما سُئل بعد المباراة، قال: "نحن نعرف ما يجب فعله... لكننا لا نفعله". كلماتٌ تُعبّر عن أزمةٍ أعمق من مجرد أداءٍ سيء.
أما المدرب أموريم، فلم يعد يملك مبرراتٍ. خسارةٌ أمام أرسنال، تعادلٌ مع فولهام، هزيمةٌ أمام غريمسبي، والآن هذه الثلاثية المذلة أمام الجار... كلها تشير إلى أن "الشياطين الحمر" لم يعودوا مجرد فريقٍ يعاني من ضعف، بل فريقٌ يعاني من فقدان الهوية، والرؤية، والقيادة.
ما بعد المباراة: بداية جديدة أم مجرد لحظة؟
بالنسبة لغوارديولا، فإن هذا الانتصار قد يكون الانطلاقة الحقيقية التي كان يبحث عنها. فالفريق عاد إلى طبيعته: السيطرة، والضغط، والدقة. هالاند يُسجل، دوكو يُبهر، دوناروما يُثبت جدارته، وفودن يعود إلى مستواه العالمي.
أما يونايتد، فالأمر مختلف تمامًا. فبعد ثلاث جولاتٍ، لا يزال الفريق يبحث عن إجابات. هل يُغيّر أموريم التشكيلة؟ هل يُعيد بناء الخطوط؟ أم أن الجماهير ستبدأ المطالبة برحيله؟
خاتمة: ديربيٌ أعاد ترتيب الخريطة
في نهاية المطاف، لم تكن مباراةٌ بين فريقين، بل كانت مواجهةً بين حالتين: حالة استعادة وحالة انهيار.
مانشستر سيتي لم يفز فقط، بل أعاد نفسه إلى الساحة.
أما مانشستر يونايتد، فقد تراجَع أكثر من أي وقتٍ منذ عقود.