مشهد عاشق يمني يحكي هواجسه.. هل ثمة منظر في الكون أجمل من تأملك لإمرأة نائمة؟

"وأذكرك وأنت نايم ملء عينك هناء حين يكون كل هائم نام إلا أنا " أصغي إليك الآن يا أيوب بكل جوارحي، وأتخيل مشهد امرأة حية أمامي، أتخيلها نائمة هناك أو أوشكت على النعاس..لكأنك لا تغني يا صوتنا الأثير؛ بل تبث فيديو مباشر في أذهان العشاق، وتواسي قلوبهم بمشهد مبتكر في الخيال.
إنها قوة الإيحاء في الأغنية، دقة التعبير، وقد تحولت الكلمة لصورة مباشرة. وهل ثمة منظر في الكون أجمل من تأملك لإمرأة نائمة.. هل هناك مشهد أكثر سحرًا وشاعرية من هذه اللقطة..؟
وأذكرك وأنتِ نائم ملء عينك هناء، مباشرة أستحضر صورتها وهي مغمضة العينين بكامل أمانها، ثاوية هناك في سريرها الصغير الوثير.. ولا شيء أكثر أمانًا من قلب امرأة تنام وهي مطمئنة أن رجل ما يحرس قلبها بحبه.
هذا المشهد الوديع لامرأة مسترخية في غرفتها، تبثه الأغنية في ذهني كلما سمعتها. إنها صورة متحركة، حتى لتكاد حواسي تلامس الأشياء، في كل بيت منها. هذه ليست أغنية للإستماع فحسب؛ بل شريط فيديو يريك المشاهد أمامك لقطة لقطة.
أستمع إلى الأغنية الآن يا عبدالله عبدالوهاب، وأتمنى لو أنك موجود كي أسألك: هل كنت تتخيل ما يتراءى في خيالي الآن وأنا أصغي إلى الأغنية، أعني حين كتبت قصيدتك، حين لمعت في ذهنك الكلمات، هل مرت ذات الصورة التي تخطر في بال شاب يستمع إليك بعد عقود وتتناسل في خياله صور بلا نهاية.
لا بد أن الشاعر حين كتب القصيدة، كان يتخيلها أيضًا وهي مستلقية بكامل طمأنينتها؛ كراهبة في سريرها؛ كوحي منتظر وكسّر يود لو لم يكتشفه أحد غيره.
ليس هذا المقطع فحسب؛ بل الأغنية بكاملها أشبه بفيلم سينمائي، لو أن مخرجًا بخيال ملعون يود أن يصنع منها سيناريو ليحكي قصة عشق اليمني لنجح في ذلك كثيرا.
"أذكرك والليالي غامضات النجوم والسماء مستضيفه ساريات الغيوم والقمر قد توارى في السحايب يعوم والهواجس بقلبي ساهره لاتنوم"
ألا ترون الصورة والحركة أمامكم. أتخيل مشهد عاشق يمني يتململ في سطح منزله القديم، هناك وفي ليلة مظلمة، في أقاصي الريف، يسهر وحيدًا، حيث لا نجوم تؤنسه ولا حبيبه جواره، السماء ملبدة كقلبه الحزين وحبيبته توارت في سريرها، كما تتسرب الأشياء خلسة، وبحسب الشاعر، غطَت في نوم عميق كما يتوارى القمر في سحب القرية.
مشهد عشق كلاسيكي؛ لكنه يحكي هواجس اليمني ويرسم مشهد لحياته العاطفية وتخيلاتها. وحتى اللحظة، ما يزال الكثير يعيش أجواء كهذه ويتخيلها. قلت ما يختلج في أعماق اليمني ورحلت يا عبدالله عبدالوهاب ولم يتغير حال اليمني كثيرا، ما تزال حياتنا بسيطة، وهواجسنا أبسط، مدننا لا تختلف كثيرا عن القرية، وعشاقنا يشبهون عشاق زمنك، ما يزال اليمني هناك، يسهر وحيدا، يعتصر قلبه ويتخيل حبيبته النائمة خلف مسافات وجبال وحواجز كثيرة. كما رسمتها في قصيدتك.
خاتمتها أيضًا، حية كالبداية:
وأصطبح بك وفجري قد بدأ يستدير في السماء حيث يذري من نداها الغدير وأذكرك أنت عمري أنت فجري الكبير. لكأن حبيبته هي محور حياته الأبدي، يهيم معها طوال الليل، ولا يكتفي؛ ففي الفجر تبتدئ معها حكايته من جديد.
هنا نحن نستمع إليك يا شاعر الحب، يا تمثال تعز الكبير، ندور حولك بنفس احتفاء الحب، نصغي إليك بنفس الفضُول ونهمس: تالله أنك فجرنا الكبير.
هذه من الأغاني الخالدة في قلبي حتى فجر يوم القيامة، لقد أكثرت مؤخرًا من وصف أشياء عديدة بالخلود، يمكنني أن أتراجع عن بعضها؛ غير أني لن أتنازل عن موقفي الأبدي تجاه هذه الأغنية: إنها خالدة، إنها خالدة.
#1يوليو_يوم_الأغنية_اليمنية