• الرئيسية
• المشهد الثقافي

في زحام العاصمة السعودية، يجرّ فهد خطواته كل ليلة حاملاً حقيبة أسراره. يعمل نهارًا في مركز اتصالات، لكنه يتحول ليلاً إلى "مندوب الليل"، يوزّع المشروبات الكحولية سرا لأثرياء الرياض. في مزيج من البؤس والمغامرة، يقرر فهد اختراق عالم لم يعرفه من قبل، لتبدأ رحلته بين أحياء الفقراء وفلل الأثرياء، كاشفًا وجوهًا لم تَعتَدها عدسات الكاميرات في المملكة.

فيلم يكشف ما وراء الصورة الرسمية

يحمل فيلم "مندوب الليل" للمخرج السعودي علي الكلثمي رؤية فنية جريئة تكسر القوالب النمطية، وتغوص في حياة المهمشين داخل الرياض. يلعب الممثل محمد الدوخي دور فهد، الشاب المحاصر بالديون والمآسي الأسرية، الذي يجد في تجارة الكحول ملاذًا يائسًا لتغطية تكاليف علاج والده ومساعدة شقيقته المطلقة. لكن رحلته تكشف عن صدمة حضارية، إذ يكتشف طبقات من الرفاهية لم يكن يظن وجودها في بلده.

واقع مزدوج في مدينة واحدة

رغم السماح المحدود ببيع الكحول للدبلوماسيين، فإن تداولها بين المواطنين لا يزال محظورًا بشدة. وهنا يكشف الفيلم عن سوق سوداء مزدهرة، تصل فيها أسعار زجاجة الويسكي إلى مئات اليوروات. ومن خلال أحداثه، يرصد العمل التباين الصارخ بين عالمَي البذخ والمعاناة، ويضع المشاهد أمام مرآة قاسية للمجتمع، حيث تتعايش الفخامة مع الفقر، والانفتاح مع القيود.

نجاح باهر محلي ودولي

منذ عرضه الأول في المملكة، أثار "مندوب الليل" إعجاب الجمهور والنقاد، محققًا مبيعات تجاوزت 600 ألف تذكرة، ليصبح أحد أنجح الأفلام السعودية منذ رفع الحظر عن السينما في عام 2017. لاحقًا، حجز الفيلم مكانه على منصة نتفليكس، ثم طار إلى دور السينما الفرنسية، ليحظى بعرض أوروبي واسع واهتمام إعلامي متزايد. كما حصد الفيلم جائزة "الوهر الذهبي" في مهرجان وهران السينمائي، ما رسّخ مكانته في المشهد السينمائي العربي.

صناعة ناشئة تنمو تحت عين الرقابة

يأتي "مندوب الليل" في سياق التحولات الكبرى التي تشهدها المملكة، حيث تدفع السلطات بعجلة الانفتاح الثقافي، لكن ضمن حدود مرسومة. بحسب المحلل كريم صادر، فإن عرض الفيلم لا يُعتبر خروجًا عن السيطرة، بل خطوة محسوبة تسمح للجيل الشاب بالتعبير عن نفسه دون المساس بالخطوط الحمراء. فبينما تتطور السينما السعودية، بدعم من وزارة الثقافة ومهرجان البحر الأحمر، تبقى الأعمال التي تلامس قضايا اجتماعية حساسة تحت المجهر.

صوت جديد لجيل يتوق للتعبير

المخرج علي الكلثمي، الذي نشأ في أحد أحياء الرياض الفقيرة، لم يكتف بصناعة فيلم؛ بل قدم شهادة فنية عن واقع معاش. يقول إنه استلهم العديد من مشاهد الفيلم من تجاربه الشخصية، وسط مدينة تتغير بسرعة وتتخلى عن الكثير من أبنائها في زحام الطموحات والتحديث. وبذلك، يصبح "مندوب الليل" أكثر من مجرد فيلم، بل وثيقة سينمائية تسلط الضوء على التناقضات الاجتماعية في السعودية الجديدة.