الإثنين 12 مايو 2025 11:45 صـ 15 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

في الطلاق: النهايات أخلاق... ولكن من يستوعب الدرس؟

الإثنين 12 مايو 2025 10:27 صـ 15 ذو القعدة 1446 هـ

طبعا في عصر الهاشتاغات الوردية، والكلام المعسول عن "الحرية الشخصية" و"تمكين الذات"، صارت بعض النسوة يتعاملن مع الطلاق كما لو كان ترندا على "تيك توك"، أو قصةً درامية على "نتفليكس".
بل يكفي أن ترف عضلات المشاعر أو أن تختل المعادلة الزوجية لبضعة أشهر حتى تأتي بطلب الطلاق وهي تتنفس تمثيلا: "أنا مش قادرة أكمل!"

وهكذا... تصبح لحظة النزق قرارا مصيريا. وكأن الأطفال—أولئك الذين لم يُستشاروا أصلا—حبات فاصوليا يمكن قسمة عمرهم وحضور والديهم عليهم كما يُقسم الميراث.
بل إن الطامة الكبرى حين تُطلق المرأة وهي ما تزال تظن نفسها على حق، وتزعم أنها تحمي أولادها من "بيئة سامة"، بينما هي تفر منهم إلى حساباتها الإلكترونية لتروي لكل من هب ودب قصة ضحيتها المغشوشة.

والشاهد إن الزواج في حقيقته عقد شراكة، لا علاقة عاطفية مؤقتة. هو ستر، كما قال الأوائل، وهو مسؤولية لا مزاجية. والطلاق، في بعض الحالات، ضرورة مؤلمة.
ولكن متى صار فعل الطلاق نصرا أنثويا؟ أي متى تحول الرجل إلى عدو يجب أن يُدمَّر إعلاميا واجتماعيا كي تبرر المرأة فعلتها وتلمع قرارها؟
ولكن ما هذا الجنون؟
نعم: منذ متى أصبح الانفصال واجبا أنيقا يجب تزيينه بكلمات مثل "تحقيق الذات" و"رحلة الشفاء"؟
ولكن أيّ شفاء هذا الذي لا يراعي جراح الأبناء؟ بل أيّ تمكين هذا الذي يبدأ بهدم البيت وتحطيم صورة الأب في نظر أطفاله؟

والحق يقال إن من تطلب الطلاق ثم تبدأ بحملة تشويه ضد طليقها، هي لا تهدمه فحسب، بل تهدم ما تبقى من طفولة صغارها.
هؤلاء الذين كانوا إلى الأمس ينادونه "بابا"، يصبح فجأة وحشا في رواية الأم، غريبا لا يُذكر إلا بالسوء.
أليس هذا هو قمة القسوة؟ أليس هذا هو الخذلان الحقيقي؟

ثم لا تسألنا هذه السيدة بعد سنوات: "لماذا كبر أبنائي وهم مضطربون؟"، "لماذا لا يحبونني رغم أنني ضحيت لأجلهم؟"، بينما الحقيقة أن تضحيَتها المزعومة بدأت عندما قررت أن الراحة النفسية لها أولا، ولو كان الثمن ذاكرة طفلها المحطمة، وأمان ابنتها الذي تبخر!

بمعنى أدق فإن المرأة التي تطلب الطلاق بلا سبب جوهري، ثم تصر على تحطيم صورة الرجل، لا تختلف كثيرا عن من يقف فوق بيت محترق وهو يصفق لنفسه لأنه تخلص من المطبخ!
صدقوني إن الطلاق ليس فضيلة إذا غابت عنه الأخلاق، ولا حرية إن افتقر إلى الوعي.

وللتذكير يقول الحكماء: "النهايات مرآة النفوس". والحق أن من لم تحفظ العِشرة، لم تكن يوما أهلا لها.
بل الأدهى أنها تسيء حتى إلى الحركات النسوية الرصينة التي ناضلت حقا من أجل المرأة، لا من أجل رغباتها النزقة.

نعم، هناك رجال مستفزون، أنانيون، وربما فاشلون. ولكن الطلاق، حتى في ظل كل ذلك، ليس بطاقة خروج مجانية من دائرة الأخلاق.
ذلك أن النبل لا يُختبر في اللحظات السعيدة، بل عند الأزمات.
أما أنتِ، يا من طلبتِ الطلاق لأنك "ما عدتش مرتاحة"، ثم بدأتِ بنسج الروايات، وتوزيع الأحكام، وتسويق الكراهية... فتذكري: أطفالك سيكبرون يوما ما، وسيسألون. لن تنفعكِ دموع التمثيل حينها، ولن يحميكِ "بوست" ممكيج بكلمات إنجليزية عن الـself-care.
طبعا سيفهمون الحقيقة حتما، وسيسألونك السؤال الأبسط: لماذا لم تحافظي على احترامنا لأبينا؟

بمعنى آخر ليس عيبا أن تطلقي. ولكن العيب كل العيب، أن تمشي فوق جثث الذكريات، وتربي أبناءك على الكراهية، وتظني أنك انتصرتِ.
فالطلاق بداية لحياة جديدة أحيانا، نعم، ولكن فقط حين يكون مبنيا على النضج، لا على النكد!

وختاما:
تستطيعين طلب الطلاق، ولكن لا تدعي الطهارة بعده. لأن النهايات أخلاق، والأخلاق لا تطلب الطلاق إلا حين تُستنفد كل سبل الحياة، لا حين تنتهي بطارية الإعجاب.!