على حافة السقوط

اليمن المسمى"سعيدا" لم يعد كذلك،فهو يشهد اليوم واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية والسياسية في العالم.
باتت تتنازعه الصراعات الداخلية، والفقر المدقع، والانقسامات السياسية والمناطقية، وسط غياب تام لأي أفق انفراج او معالجات جذرية تنقذه من هذا الواقع المخيف.
فما بين الأمس واليوم، تغيرت ديموغرافيته، فتحول من دولة إلى ساحة مفتوحة للصراع الإقليمي والدولي، يتأرجح بين المعاناة وفقدان الأمل.
ومع ذلك لم يكن ماضي اليمن خاليا من التحديات، لكنه كان محتفظا بجزء من الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وتحديدا بعد توحيد شطريه في العام 1990م ،وبرغم الفقر والبطالة وضعف البنية التحتية، كانت البلاد لها مؤسسات دولة ،تحاول ولو بشكل محدود تلبية احتياجات مواطنيها، ولها توجهات لبناء نظام ديمقراطي ناشئ، وإجراء انتخابات رئاسية ومحلية رغم صوريتها،واتسعت فيها مساحة الرأي وحرية الصحافة.
لكن جذور المشكلة والمعاناة تشكلت تدريجيا مع تفشي الفساد والتهميش ، واحتكار السلطة والثروة في يد فئة، ما مهد لانفجار اجتماعي وسياسي مع ما عرف بـ"ثورات الربيع العربي".
فكل يوم يزداد الواقع تعقيدا والحياة بؤسا،
فمنذ اندلاع الحرب في 2015م وسيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية على العاصمة صنعاء ومؤسسات الدولة، وهو ما نتج عنه دخول اليمن منعطفا جديدا من التدهور المتسارع غير المسبوق،
فقد دمرت الحرب البنية التحتية، وقسمت البلاد إلى مناطق نفوذ متعددة، وعجزت الحكومة الشرعية عن ممارسة سلطتها على الأرض، ليعيش المواطن مرارة الفقر، وألم الجوع وانعدام الأمن، وتدهور الخدمات الأساسية على رأسها الصحة والتعليم.
فالعناء اليومي ملازم لليمني ورفيق دربه ، واقع في قبضة الشظف وسوء التغذية، إذ أن أكثر من 20 مليون يمني بحاجة إلى تدخلات إنسانيةعاجلة، بينهم ملايين الأطفال يعانون سوء التغذية الحاد...كما أن الانهيار الاقتصادي فتح بوابة الولوج إلى الجحيم، وفقدان الريال كل قيمته ، فاستعرت الأسعاروانقطعت رواتب الموظفين في كثير من المناطق وتضاءلت في مناطق أخرى، كل ذلك ألقى بثقله على كاهل الشعب،وغرز في منحره مدية الموت الإجباري.
إن قسوة غياب الدولة في الواقع أذكى نوازع التشرذم لمعظم أنحاء البلاد ،فغابت السلطة الفعلية وانتشرت الجريمة المنظمة، والانفلات الأمني،ودمر التعليم ، فغدت آلاف المدارس خارج الجاهزية وأخرى متضررة كليا أو جزئيا، واستخدامها ثكنات عسكرية، فتسرب ملايين الأطفال من المدارس،فشكل واقعا مربكا يسير نحو السقوط
بخطى متسارعة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
لفد تمزق النسيج الاجتماعي بفعل الصراع الطائفي والمناطقي الذي يتعمق كل يوم، وتمضي مآلاته نحو احتناك وحدة اليمن وطمس الهوية الوطنية، نتيجة تعدد السلطات والحكومات الموازية، (الحوثيون، المجلس الانتقالي، الحكومة الشرعية) وهو أمر مؤداه استحالة بناء سياسات موحدة.
علاوة على ذلك فإن الاعتماد على الخارج من قبل بعض الأطراف ؛على رأسها مليشيا الحوثي الإرهابية، يجعل الحل مرهونا بإرادة القوى الإقليمية والدولية وليس بأيدي اليمنيين.
كما أن ظاهرة التهجير الممنهج والنزوح لملايين اليمنيين عقد الوضع الإنساني ،وغيب المعالجات الناجعة،مع تعدد المبادرات الأممية والدولية،التي لم تحرز أي تقدم فعلي يفضي إلى السلام،لافتقارها للضغط الحقيقي على الأطراف المتسببة بمعاناة الشعب، وغالبا ما تعمل مليشيا الحوثي على إفشالها، لتستفيد من الوضع القائم ، وتعثر المفاوضات باستمرار نتيجة غياب الثقة، والتدخلات الإقليمية التي تعمق الصراع بدلاً من حله،
كما أن المعونات المقدمة للناس لا تكفي، وغالبا ما تنهب أو تستخدم لأغراض سياسية.
فإذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن المستقبل يشي بالمزيد من الانهيار، والخشية تخامر الجميع من تقسيم فعلي محتمل للبلاد، وظهور كيانات متطرفة وعصبوية في ظل الفوضى القائمة،وبروز أزمة إنسانية قد تتوسع إلى كارثة.
ومع ذلك لا يزال هناك بصيص أمل مشروط بحدوث تغييرات حقيقية معززة بإرادة سياسية وطنية لإنهاء الحرب،يلعب فيها الدور الإقليمي والدولي اسلوب المتبني والضاغط، وإعادة بناء الدولة على أسس وطنية ديمقراطية ،وتعزيز المصالحة المجتمعية، ودمج المكونات المختلفة تحت مظلة واحدة هي: الدستور والقانون والنظام الجمهوري.
فالوضع الذي يقف اليوم على فوهة بركان ومفترق طرق ليس بحاجة لمساعدات بل لحلول سياسية شاملة، وفق رؤية وطنية جامعة تستعيد الدولة بمختلف مؤسساتها.
ومع قتامة الصورة بين اليأس والحلم ، يبقى الأمل معقودا على مايحدثه الوعي من تغيير ، وتوجه صادق للمجتمع الدولي لوضع حد لهذه المأساة والمعاناة الممتدة منذ سنوات.
*عضو اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين.