الجمعة 6 يونيو 2025 01:28 مـ 10 ذو الحجة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

تجليات الكرامة العربية

حين يكون الجوع أهون من المهانة .. قصة مثل «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»

الخميس 5 يونيو 2025 05:35 صـ 9 ذو الحجة 1446 هـ
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها
تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها

الكرامة أولًا وأبدًا في وجه الفقر والمهانة .. في عمق الموروث العربي، لا يزال هذا المثل الشعبي الجليل حاضرًا في الوجدان: «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها»، عبارة تنبض بعنفوان الكبرياء وتلخّص فلسفة العرب في حفظ الشرف والكرامة، حتى في أقسى لحظات الحاجة والعوز.

امرأة من نجد تصنع الأسطورة بصمت الكبرياء

تعود جذور هذا المثل إلى قصة امرأة من نجد، في زمن ما قبل الإسلام، عانت ويلات القحط والجوع بعد أن فقدت زوجها في إحدى الغزوات، ولم تملك سوى خيمتها وسمعتها النقية. كانت تعول أطفالها وحدها، وسط أرضٍ ضربها الجفاف وهلك فيها الزرع والضرع، ذات مساء، طرق بابها تاجرٌ غريب، رأى في مأساتها فرصة للابتزاز، فعرض عليها المال والطعام مقابل أن تبيع جسدها.

ظنّ التاجر أن الفقر قد يهزم الكبرياء، لكنه فوجئ بردٍ لا يُنسى، ردٌ غدا شاهدًا على عفة المرأة العربية وكبرياءها الذي لا يُشترى بالذهب، قالت له: «اخرج، لا يُشترى الجسد ممن لم يبع النفس. تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، خذ ذهبك وألقه في صحرائك».

ردٌ خالد في ذاكرة العرب

لم يكن رد المرأة مجرد دفاع عن النفس، بل بيان شرف، تلخص فيه أن الجوع لا يبرر التفريط في الكرامة، وأن العفة لا تهتز أمام رغيف خبز، لم تبكِ بعد رحيل الرجل، ولم تستسلم للندم، بل مزقت جزءًا من غطاء رأسها لتخيط به ثياب أطفالها، تعلمهم أن الكرامة لا تباع، وأن المروءة لا تُقايَض.

مغزى خالد في حاضر مضطرب

رغم أن القصة تعود إلى قرون مضت، إلا أن دلالاتها لا تزال حيّة اليوم في ظل ضغوط الحياة المتزايدة، التي قد تدفع البعض للمساومة على الشرف لقاء المال أو النجاة، في زمن الانفتاح والضياع القيمي، يعيد هذا المثل التذكير بأن الفقر ليس عيبًا، لكن بيع الجسد أو التخلي عن المبادئ هو السقوط الحقيقي.

الكرامة لا تُقايض بالجوع

يعلّمنا هذا المثل أن العزّة لا تُنتزع من الظروف، وأن الإنسان الذي يصون نفسه في لحظات القهر، هو المنتصر الحقيقي، المرأة النجدية لم تكن بطلة من ورق، بل رمزًا للصلابة الأخلاقية التي طالما ميزت العربي الأصيل.

صوت يعلو فوق الجوع

في النهاية، ليس «تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها» مجرد مقولة، بل درس حيّ عن قوة الإنسان حين يتمسك بمبادئه، وعن أن الكبرياء الحقيقي لا يتأثر بثياب ممزقة أو جوع قاسٍ، بل يتجلّى في أن تقول "لا" حين يحاول أحدهم أن يشتريك بأبخس الأثمان.

تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها، كرامة المرأة في الجاهلية، العفة في الصحراء، الشرف العربي، أمثال عربية قديمة، قصة مثل عربي، الكبرياء في الفقر، كرامة المرأة العربية، أخلاق العرب، نساء نجد، العزة في زمن الجوع، كرامة لا تُشترى، الموروث العربي الأخلاقي، القصص العربية الملهمة، المرأة الشريفة