الولاية .. والسلطة الزائفة

في المجتمع اليمني التي يتمتع بعاطفة دينية تمثل العقيدة أداة فعالة للتأثير على الوعي الجمعي ، وهذا ما حصل حينما أرادت جماعة الحوثي الإرهابية اقناع المجتمع اليمني بقبول شرعيتها الزائفة وخاصة أن ثمة اجماع بأن مافعلته في العام 2014م كان انقلاباً مكتمل الأركان ، وهذا يقوّض أي مبررات لحق الجماعة في الحكم والتحكم ، ولتحقيق أطماعها السياسية لجأت إلى استغلال العاطفة الدينية واستخدام الرموز التاريخية لتسويق ذاتها عبر مفهوم "الولاية" لإقناع اليمنيين بشرعية حكمها ، وبالاتكاء على خرافة تقول إن الحكم الإلهي للإمام علي بن أبي طالب قد تم اغتصابه ، وأنهم الورثة الشرعيون له ، والمعنيون باسترداد هذا الحق المغتصب! .
يرتكز الحوثيون في خطابهم السياسي المغلف بالصبغة الدينية على فكرة "الولاية" والتي تعني في المفهوم الشيعي أن علي بن أبي طالب والأئمة من ذريته هم أوصياء المصطفى صلى الله عليه وسلم وأحق الناس بالحكم من بعده ، ومع أن هذا المفهوم دخيل على الفكر الإسلامي وتطور تاريخياً في سياقات سياسية وعقائدية معقدة داخل الفكر الشيعي ، إلا أن الانقلابيين الحوثيين يقدمونه في في صورة مظلومية تاريخية مبتكرة عمرها أكثر من أربعة عشر قرناً ، ثم يتم إسقاطها بشكل متعسف على واقع اليمن المعاصر .
في هذه السردية يقدّمون علي بن أبي طالب –كرم الله وجهه– باعتباره الحاكم الشرعي الأول، الذي حُرِم من حقه وتعرض للغدر! وتوارثت ذريته هذا الحق المغتصب ، ثم فجأة يظهر الحوثي –بلا دليل تاريخي موثق أو شرعي معتبر– ليقول إنه ينتمي لتلك الذرية ، وبالتالي فهو "الحاكم بأمر الله" ، مع أنه لا توجد وثيقة تاريخية موثوقة أو دراسة أنساب رصينة تؤكد أن أسرة الحوثي تنتمي إلى الإمام علي بن أبي طالب! ، وحتى لو صح النسب فإنه لا يبرر الأحقية بالحكم ، لا قديماً ولا في ظل مفاهيم الدولة الحديثة والمواطنة والمشاركة السياسية .
لا يقدم الحوثيون أي مبررات معتبرة نقلاً أو عقلاً لكنهم فقط يمارسون إثارة العاطفة الدينية لتسويق خرافة الولاية ، ولذا تتجه كل جهودهم إلى صبغة المجتمع بالجهل ومحاربة التعليم والتطوير وفرض العزلة ليتمكنوا من تمرير هذه السردية المغلوطة والتي ترتكز على كون "سيدهم" من نسل النبي! ، وبالتالي يجب توقيره وطاعته وعدم معارضته ، وتكمن خطورة هذا التوظيف في أنه يطعن في مبادئ الاسلام ، ويحول شخصية علي بن أبي طالب -كرم الله وجه- من رمز إسلامي للعدالة والشجاعة والحكمة إلى غطاء لتبرير الاستبداد والقتل والنهب ، ويغدو مجرد "رمز وراثي" لإضفاء قداسة على سلطة ظالمة قائمة على الإكراه .
إن التسويق لخرافة الولاية كمبرر للحكم والسيطرة والتحكم يترك آثاراً سياسية مدمرة فهو يقسّم المجتمع على أساس طبقي وسلالي، و يصنف الناس إلى "سادة" و"عبيد"، أو "قناديل" و"زنابيل"، وهذا يشرعن الإقصاء السياسي لكل من لا يؤمن بفكر الجماعة الانقلابية أو لا ينتمي إلى سلالتها ، وهو ما يعني إعادة استزاع الأنظمة القمعية التي لا تتيح أي أفق للتعدد أو التداول السلمي للسلطة ، ويعطل مفهوم الدولة الحديثة القائمة على المواطنة المتساوية ، كما أن هذا المنحى ينسف الهوية الوطنية اليمنية عبر الإعلاء من شأن الانتماء السلالي على حساب الانتماء الوطني ، ووفرض أجندة طائفية دخيلة على المجتمع اليمني الذي ظل طوال تاريخه متسامحاً ومتنوعاً .
إن ما يفعله الحوثيون اليوم بترويجهم لخرافة "الولاية" وحقهم الإلهي المزعوم في الحكم هو من أخطر الجرائم التي تُرتكب باسم الدين ، بينما لايقر الاسلام تزييف وعي الناس واستغلال عاطفتهم لإضفاء سلطة زائفة على مشاريع طائفية واستبدادية ، ولمقاومة هذا التوجه الحوثي لابد من الاتجاه إجبارياً إلى ترسيخ المفاهيم الإسلامية الصحيحة للحكم ، والقائمة على الشورى كنظام حكم نقيض للاصطفاء ، والاختيار المقنن في اسناد إدارة الدولة كبديل للوراثة ، والكفاءة في الوظيفة العامة وليس النسب والسلالة .
دمتم سالمين .