اليمنيون ”كفار” و”إخوان النصارى” وعملاء اليهود والأمريكان!

لم تُعدم الإمامة عبر التاريخ، ولا الحوثية اليوم، شعارات التعبئة ولا المبررات التي تعبّئ بها عكفتها وميليشياتها ومرتزقتها، وتبرّر لها ولمن حولها الدافع لتدمير اليمن والبطش باليمنيين، وخاصة في التاريخ الحديث منذ تأسيس الدولة القاسمية وحتى انقلاب الإمامة الجديدة الحوثية على الدولة. فالحوثية تمضي على نهج آبائها وأجدادها الأوائل خطوة بخطوة، باستيراد الأحداث التاريخية للسيطرة على البلاد والتسلّط على المواطنين، وشعارهم في ذلك: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ}.
فمنذ عهد الرسي وصولًا إلى عهد الدولة القاسمية، كانت تهمة اليمنيين عمومًا كسُنّة، قبل أن يكون هناك شيعة زيدية أو هادوية، وخاصة في اليمن الأسفل، أنهم: (مُشَبِّهة، مُجَبِّرة، بغاة، نواصب، فسقة، وظلمة)، وهم في هذه الحالة في مقام الكفار الذين يجب جهادهم، وهو شعار مختلق كدافع للإمامة القديمة لمحاربة اليمنيين والانقلاب على الدول والسلطات، والتسلّط عليهم لإقامة دولتهم الإمامية.
وكثيرًا ما استخدم هذه الذريعة والراية السفاح عبدالله بن حمزة ضد اليمنيين في مختلف البلاد، وكان لكل قوم يختلق ذريعة لمحاربتهم واستئصالهم؛ فالسنة باعتبارهم أشاعرة وهم أهل تشبيه وجبر، ومعارضوه من الزيدية الهادوية المعروفة بالمطرفية باعتبارهم "مُخْتَرِعة"، وكذلك اتهمهم بالكفر والردة والضلال، وأنهم يساوون بين اليهودي والرسول، وأنهم يقولون إن القرآن مخلوق (عقيدة المعتزلة)، وأنهم يسبّون الأئمة، وأنهم أدعياء نبوة، كما اتهمهم بسب الصحابة ولعنهم، وأفتى أن من قتل "دعياً" فإنه يتقرب إلى الله بدمه!
وجاء في كتاب المنتزع المختار من الغيث المدرار المفتح لكمائم الأزهار في فقه الأئمة الأطهار للعلامة عبد الله بن مفتاح:
"قال أبو طالب: لا يصح الوقف على مساجد المشبهة والمجبرة، وقال (ص بالله): مساجد المشبهة والمجبرة لا حكم لها ولا حرمة، وأخرب كثيراً منها وسبّل بعضها."
وهذا الكتاب هو العمدة في الفقه الهادوي، وهو يحكي تخريب الإمام عبدالله بن حمزة للكثير من مساجد أهل السنة، و(ص بالله) إشارة إلى لقب الإمام عبدالله بن حمزة الذي يتلقب بـ(المنصور بالله).
أما في عهد الدولة القاسمية، وتحديدًا في عهد المتوكل إسماعيل، أظهرت الإمامة شعار "كفر التأويل" و"كفر الإلزام"، ورموا به اليمن الأسفل ومخالفيهم، واعتبروا أرضهم خراجية تعامل معاملة أرض الكفار المغنومة؛ فقد عمل الإمام المتوكل إسماعيل بن القاسم على نشر وبعث علماء الزيدية إلى القرى لنشر المذهب الهادوي وفقه الهادوية حتى يتحول الناس إلى مذهبه. فقد كان يتعصّب لمذهبه إلى درجة أنه كان يقول بكفر الأتراك، ويدخل في حكمهم من والاهم، ولو كان معتقده يخالف معتقدهم، وهذا ما عُرف عندهم بالتكفير بالإلزام.
وقد رفع المتوكل إسماعيل شعارات عديدة في هذا الجانب، وهي شعارات دينية تدفع بمرتزقته وميليشياته للبطش باليمنيين وإرهابهم ونشر معتقده ومذهبه بالحديد والنار، ومن هذه الشعارات: (كفار تأويل، بغاة، نواصب، منافقون لا يمتثلون لأحكام الشرع إلا كرهًا وخوفًا من صولة الإمام بجنده أو بعضهم).
ورد عليه كثير من العلماء في مسألة التكفير بالإلزام، يراجعونه فيما ذهب إليه من التكفير واستحلال أموال الناس بهذه الحجة، ومن هؤلاء عبد القادر بن علي المحيرسي، الذي ردّ عليه برسالة قال فيها:
"... فإن كان لأجل البغي، فالباغي لا يخرج عن أحكام الشرع فيما بين المؤمنين لثبوت إسلامه شرعًا..."
(اقتباس طويل محفوظ دون تعديل).
ولم يكن المحيرسي وحده من احتجّ على المتوكل، بل عارضه وانتقده حتى من داخل البيت القاسمي نفسه؛ فقد رد عليه ابن أخيه، العلامة والمؤرخ يحيى بن الحسين بن القاسم، في أكثر من رسالة. وكان يصفه بالقول:
"كانت حالته في ذلك حسنة [لا يأكل من الزكاة]، إلا أنه لو كملها بالعدل في اليمن الأسفل، في مطالبه وجور ولاته الجور المفرط، وأزال عنه الشبهة في تكفيرهم بالجبر والتشبيه الذي لا يقولون به ولا يلتزمونه، لكان كاملاً..."
وردّ المتوكل برسالة طويلة مصرًّا فيها على التكفير، مبررًا كل مبرراته، مقتطف منها: "وبيان ذلك أن مذهب أهل العدل أن المجبرة والمشبهة كفار..."
أسس المتوكل إسماعيل منهجًا إرهابيًا سار عليه من جاء بعده، كابن أخيه الإمام المهدي الحسن، ثم ابنه المهدي صاحب المواهب، وكانا من أشد الناس على اليمنيين، قتلاً ونهبًا وفوضوية، مستخدمين نفس الشعارات والحجج (كفار تأويل، كفار إلزام...).
جاء بعده المهدي أحمد بن الحسن، وكان جاروديًا رافضيًا، اقترح على عمه الاحتفال بيوم الغدير، وله مختصر في أصول الدين على مذهب المعتزلة. قال عنه ابن عمه المؤرخ يحيى بن الحسين:
"أمر العمال أنكم لا تتركون لهم إلا الثلث، وكان ذلك لسوء اعتقاده فيهم، وجرى على ذلك بعده المتوكل..."
ويعتبر قتل المخالفين قربة عندهم، كما في قول المهدي أحمد بن الحسن: "وأما قتل النفوس في زمن المتوكل فهو عندي من أقرب القرب..."، وجاء من بعده ابنه المهدي الثاني محمد بن أحمد بن الحسن، فكان أشد طغيانًا وجورًا ممن سبقه.
في عهد الإمام يحيى حميد الدين، تكررت ذات الشعارات من التكفير التأويلي وموالاة النصارى، واعتُبر أبناء تعز "إخوان النصارى"، كما نقل الأستاذ النعمان، حين قال: "الزيديون كانوا يعتبرون أموال الشافعيين مستباحة، ونساءهم كنساء النصارى..."
وكان الإمام يحيى يتودد إلى بريطانيا رغم تنكيله بالشافعية، وتعاون مع البريطانيين ضد الأدراسة، بل وتنازل عن الضالع مقابل دعمهم.
ويضيف الأستاذ النعمان أن الإمام يحيى وجه قبائل الشمال التي حاربت الأتراك إلى الجنوب وتهامة تحت شعار محاربة "كفار التأويل" و"إخوان النصارى".
ووضع الإمام قاعدة: "من أنكر على الإمام بقلبه فهو فاسق، ومن أنكر عليه بلسانه فهو كافر، ومن أنكر عليه بيده فهو محارب..."
ورغم تكفير الأتراك خلال الحرب، إلا أنه بعد صلح دعان قال عنهم إنهم "إخواننا في الدين"، ما أغضب مناصريه مثل الشيخ ناصر مبخوت الأحمر، وتطورت إلى حرب ضده.
واستمرت المواجهات، إذ أرسل الإمام جيشًا لحصار حصن "حبور" في "ظليمة"، وقصفوه بالمدافع.
لقد استخدم الأئمة فتاوى تكفير المجتمع الذي لا يدين بمذهبهم كوسيلة للسيطرة على اليمن ونهب الشعب، مستحلين أمواله ودماءه، وكتب الكثير من الثوار عن ذلك. وقد فصّل الأستاذ محمد أحمد نعمان (الابن) هذه الممارسات في كتابه الأطراف المعنية.
فالأئمة يمكنهم التغاضي عن كل شيء، إلا أمر الولاية؛ لذلك نرى الحوثيين اليوم يجندون كل لص ومجرم طالما كان مواليًا لهم.