السبت 12 يوليو 2025 01:27 صـ 17 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

محافظة إب .. من بائع الزلابيا المحروق إلى اختطاف وإخفاء الأطباء

الجمعة 11 يوليو 2025 11:03 مـ 16 محرّم 1447 هـ


تحولت محافظة إب، التي عرفت باللواء الأخضر لجمالها وخضرتها وتعايش أهلها- تحولت إلى واحدة من أكثر بؤر الانتهاكات الحوثية خطورة وفظاعة، لم يعد القمع يختار ضحاياه بناء على الانتماء السياسي أو النشاط المدني فقط، بل بات يستهدف الجميع دون تمييز، من كبار سن يبيعون الزلابيا في الأسواق الشعبية، والعاملين في المطاعم بسبب تأخر الكنافة، مروراً بقتل شباب في عمر الزهور كالشهيد حمدي المحكل بعد اختطافه وتعذيبه، وليس انتهاء بالأطباء الذين أفنوا أعمارهم في إنقاذ أرواح المرضى، والأكاديميين والمعلمين الذين حملوا مشاعل العلم.

لم تكن حادثة حرق الرجل المسن في سوق شعبي بمحافظة إب (علي دبوان) سوى صورة صادمة لهذا التوحش، والتوغل في الإجرام، فما بين رائحة الزيت الحار ونداءات الباعة، اندلع خلاف عابر على صحن زلابيا بين الرجل السبعيني وقيادي في مليشيا الحوثي يعمل في إدارة الأمن الحوثية، لكن سطوة القوة وقهر الآخرين حولت الشجار إلى جريمة بشعة حين ركله القيادي الحوثي بقدمه وأسقط عليه الزيت المغلي، متسببا له بحروق مروعة، هكذا، في مشهد موجع، يلقى بمسن على سرير المستشفى بين الحياة والموت، لا لشيء إلا لأنه رفض الإذلال وقرر بيع لقمة عيشه بكرامة.

لا يزال أبناء اليمن يتذكرون التشييع المهيب للشهيد حمدي المكحل في المحافظة ذاتها وخروج الآلاف يهتفون ضد مليشيا الحوثي بصوت واحد "لا إله إلا الله .. الحوثي عدو الله" في تلك اللحظات الثورية كانت تغلي دماءهم بعد قتل الشهيد المكحل لأنه رفض معتقداتهم وخرافاتهم التي يحاولون تسويقها، وقاموا باختطافه وقتله ضمن سلسلة طويلة من انتهاك الحق في الحياة والحرية وحملات تكميم الأفواه والقمع.

تواصل مليشيا الحوثي ارتكاب أبشع الانتهاكات والجرائم ضد أبناء محافظة إب منذ أكثر من عشر سنوات من قتل واختطافات ونهب الممتلكات وتجنيد الأطفال واعتداءات ضد النساء ومحاولة فرض الفكر الطائفي بقوة السلاح.

في الآونة الأخيرة، مارست أخطر أنواع الانتهاكات وتنفذ أوسع حملات الاختطاف في إب منذ سيطرتها، شهران من المداهمات الليلية والاعتقالات التعسفية طالت عشرات الأطباء والمعلمين والباحثين، منهم على سبيل الحصر ، الطبيب أحمد ياسين، والمعلم فيصل الشويع، والطبيب صادق اليوسفي، والمعلم محمد طاهر، ونبيل اليفرسي، وعبد الرحمن الظافري، وصادق النهمي، والطبيب ثائر الدعيس، والباحث محمد عقلان، وطلال سلام، وأحمد الشامي.
كما شملت الاختطافات المعلمين عبد العليم، وياسر الرحامي، وعبده يحيى، والطبيب طه عثمان، وفؤاد العرومي، وأحمد فرحان، والمحامي حميد الحبري، وعبد الملك الأحمدي وأخيه، وغيرهم العشرات ممن اختطفتهم اقتيدوا من مستشفياتهم وعياداتهم ومنازلهم دون مسوغ قانوني، وجرى إخفاؤهم قسرا، في انتهاك صارخ للقوانين والمعاهدات الدولية التي تحميهم لاسيما في النزاعات المسلحة، حتى اللحظة عائلات المختطفين لم تسمع عن مصيرهم شيء، إلا التهديد و الصمت مقابل الأمل.

في إب، توقفت المستشفيات والعيادات وأغلقت غرف العمليات في جريمة تنذر بكارثة خطيرة، انقطع آلاف المرضى عن رعاية أطبائهم، في اعتداء صريح على الحق في الصحة وحرمة الحياة.

تعبث مليشيا الحوثي الإرهابية في المحافظة بشكل جنوني، رعاية الفوضى ونهب الكرامة، ما يحدث في إب ليس انفلات عشوائي، بل سياسة ممنهجة لرعاية الفوضى التي يستخدمها الحوثيون ذريعة لتكميم الأفواه والاستمرار في عسكرة المناخ العام، وزرع الرعب في الأسواق والأحياء لارهاب المجتمع، فالاعتداءات اليومية على العاملين في المطاعم والبسطاء في الشوارع ونهب الأموال وفرض الجبايات غير القانونية، تمارس بشكل يومي، تحت مظلة "القانون الحوثي" الذي يشرعن البطش والجباية والتسلط.

خلال السنوات السابقة سجلت تقارير حقوقية آلاف الانتهاكات في إب، وتتزايد كل عام، وتنوعت بين القتل خارج القانون، والاختطاف، والاخفاء القسري، والتعذيب، اقتحام المنازل، ونهب الممتلكات، سجل الثقيل جعل المحافظة مثال صارخ للانتهاكات الجماعية التي لا تسقط بالتقادم.

إرهاب يومي يطارد الضعفاء
في هذه المحافظة التي يطلق عليها اليمنيون “عاصمة اللواء الأخضر”، لا صوت يعلو فوق أصوات الرصاص وأطقم المداهمات، المليشيا الحوثية حولت الفنادق والمدارس والجامعات إلى مراكز نفوذ وفرض إتاوات، ولم تنج حتى المساجد والمدارس من محاولات السيطرة العقائدية الفكرية، صار المدنيون والأبرياء بين مطرقة القمع وسندان الفقر، لا يعرفون إن كان خروجهم للرزق أو عودتهم إلى بيوتهم سينتهي باعتداء أو اختطاف أو جباية.

إنها دعوة للضمير العالمي، ومناشدة لكل الأحرار التدخل العاجل لإنقاذ المرضى في محافظة إب التي أغلقت مستشفياتها ومراكزها الصحية بسبب التعسفات والانتهاكات الحوثية ضد الأطباء والكوادر الطبية، ما يجري في إب ليس شأن محلي معزول، بل هو اختبار حقيقي لالتزام العالم بمبادئ الكرامة والحرية والعدالة، فما بين بائع الزلابيا الذي حرق حيا ومقتل المكحل والاعتداء على العامل في المطعم، وطبيب لم يعد يعرف أهله مصيره، تختزل قصة محافظة ثائرة غاضبة تقاوم الظلم والقهر الحوثي، ترعب الكهنوت السلالي الحوثي، ينتقم اليوم من أبنائها، تعاقب على التمسك بحقها في الحياة الطبيعية.

اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، تحتاج إب، ومعها كل اليمن إلى تضامن حقيقي بالإفراج العاجل عن ملائكة الرحمة الأطباء، وفتح المستشفيات والعيادات وإنقاذ المرضى، واتخاذ إجراءات عملية، لتوثيق الانتهاكات، ومحاسبة المتورطين والجناة، والانتصاف للضحايا وحمايتهم، وترسيخ ثقافة عدم الإفلات من العقاب، وضمان ألا يستمر الصمت المحلي والدولي المخجل أمام الانتهاكات في محافظة إب الأبية.