السبت 2 أغسطس 2025 07:02 صـ 8 صفر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

حملة تحريض خطيرة في شبوة تستهدف المهاجرين الأفارقة: دعوات للإقصاء وسط اتهامات بالتغيير الديموغرافي

الجمعة 1 أغسطس 2025 04:47 صـ 7 صفر 1447 هـ
المهاجرين الافارقة
المهاجرين الافارقة

تشهد محافظة شبوة اليمنية، الواقعة على مسار رئيسي للمهاجرين الأفارقة الفارين من النزاعات في بلدانهم، تصاعدًا مقلقًا في حملة تحريض واسعة النطاق ضدهم. هذه الحملة، التي تتخذ أبعادًا خطيرة، وصلت إلى حد الدعوة لوقفات احتجاجية شعبية للمطالبة بـإبعاد المهاجرين، تزامنًا مع اتهامات صريحة لهم بـ"ممارسة طقوس دينية مسيحية" و"إفساد المجتمع" وحتى التخطيط لـ"تغيير التركيبة السكانية" للمحافظة.

تأتي هذه التطورات في ظل ظروف إنسانية قاسية يواجهها هؤلاء المهاجرون، الذين يقطعون آلاف الكيلومترات عبر الأراضي الوعرة للوصول إلى اليمن كمعبر إلى دول الخليج. ومع ذلك، تشير تقارير إلى أنهم يتعرضون للاحتجاز والتعذيب والاغتصاب والابتزاز فور وصولهم إلى الأراضي اليمنية، غالبًا على يد عصابات اتجار بالبشر تضم أفرادًا من جنسياتهم نفسها.

تحذيرات رسمية ودعوات للتصعيد الشعبي

في قلب هذه الحملة، برزت تصريحات الشيخ محسن محمد المجرح العولقي، مدير عام الأوقاف والإرشاد بمحافظة شبوة. وجه العولقي دعوة صريحة إلى قيادة السلطة المحلية والأجهزة الأمنية والعسكرية ومشايخ ووجهاء شبوة، محذرًا من "خطورة المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين".

واستنادًا إلى أقوال دينية، أكد الشيخ المجرحي أن ما يفعله "الأفارقة النصارى" في شبوة، من تعليق للصليب، وشرب للخمور، ولعب بالقمار، وممارسة الزنا والرقص، وإقامة طقوسهم الدينية وذبح الأغنام قربى لمعبوداتهم، ومضايقة السكان، هو أمر "لا يسكت عليه". وتساءل العولقي عن شرعية اعتبارهم لاجئين وهم يدخلون البلاد بطرق غير قانونية، ويستأجرون البيوت ويستلمون الحوالات بالعملات الصعبة، ولديهم "سجون للأقليات المسلمة يعذبونهم فيها ويبتزونهم". كما وجه انتقادات لاذعة لمنظمات حقوق الإنسان، واصفًا إياها بأنها "خرساء عمياء صماء" تجاه قضايا أخرى، في إشارة إلى الوضع في فلسطين.

تُرجمت هذه التحذيرات إلى دعوات شعبية مباشرة للتحرك. دعا سكان الأحياء الشرقية بمدينة عتق، عاصمة شبوة، إلى وقفة احتجاجية حاشدة تم تلبيتها السبت الموافق 24 مايو، للمطالبة بـ"إزالة المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين" من مناطقهم. وصف المنظمون وجود المهاجرين بـ"المنكر العظيم"، ودعوا الإعلاميين لتغطية الحدث "لمساندة المطالب".

تأتي هذه الدعوة في سياق تصاعد الاحتجاجات المحلية، وبعد أيام من اجتماع طارئ عقدته السلطات المحلية لبحث "التداعيات الأمنية والاجتماعية" لهذا الملف. وحتى الآن، لم تعلق السلطات المحلية رسميًا على دعوة الوقفة الاحتجاجية، في وقت تواجه فيه شبوة تدفقًا متزايدًا للمهاجرين من القرن الأفريقي.

بيات متضاربة وجدل واسع

في المقابل، تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي بيانًا منسوبًا لسكان الأحياء الشرقية وقرية ماس في مديرية عتق، يدعو إلى "التسامح والتعايش" مع المهاجرين الأفارقة. ذكر البيان أن السكان "تعايشوا بانسجام" مع الوافدين، معتبرًا ذلك يتماشى مع "المبادئ الإسلامية"، ومستشهدًا بـ"صحيفة المدينة" التي أرست مبدأ التعايش. ومع ذلك، لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات المحلية أو ممثلي السكان لتأكيد أو نفي صحة هذا البيان، مما يلقي بظلال من الشك على مصدره ودوافعه.

اتهامات بـ"مخطط دولي" و"تغيير ديموغرافي"

تجاوزت حدة الخطاب ضد المهاجرين الأفارقة مجرد المخاوف الأمنية والاجتماعية، لتصل إلى اتهامات بوجود "مخطط دولي خطير" تقوده "المنظمات التنصيرية الماسونية" لـ"إفساد محافظة شبوة واحتلالها وتغيير التركيبة السكانية فيها".

يشير أحد هذه النداءات التحريضية إلى تقرير دولي يزعم أن أكثر من مليون لاجئ أفريقي، غالبيتهم من أصول إثيوبية مسيحية، دخلوا اليمن عبر السواحل في السنوات الماضية، منهم 20 ألفًا يقيمون حاليًا في مدينة عتق، ويشكلون 20% من سكانها. ويزعم النداء أن هؤلاء المهاجرين يتلقون حوالات مالية بالدولار شهريًا، ويستأجرون بيوتًا وعمارات بأكملها، ويتم "توطينهم وتجنيسهم" عبر موظفين "مرتشين" في الدولة. ويذهب النداء أبعد من ذلك، محذرًا من استمرار التدفق الكبير، وتوقع توطين 100 ألف لاجئ إثيوبي مسيحي في عتق خلال السنوات القادمة، ليصبحوا 50% من السكان و"يحتلوا العاصمة" حسب البيان.

هذا وتتضمن هذه الاتهامات أيضًا مزاعم بانتشار "الفساد والإلحاد" بينهم، والمجاهرة بلبس الصليب، والظهور بملابس "عارية"، إضافة إلى تحويل تجمعاتهم إلى "وكر للدعارة والخمور والمخدرات وعمل السحر واختطاف واغتصاب الأطفال والبنات والمتاجرة بالأعضاء البشرية".

تزايد الجرائم المنظمة وتهريب البشر في عتق: تحديات تواجه السلطات وتتطلب تعاونّا دوليًا

في ظل تصاعد الجرائم المنظمة وتهريب البشر في عتق، كشف مدير البحث الجنائي بالمدينة، العقيد عبدالكريم المروق، عن تحديات كبيرة تواجه جهود مكافحة هذه الأنشطة الإجرامية. وفي مقابلة خاصة، تطرق المروق إلى كثرة الشكاوى التي تتلقاها الإدارة بشأن الجرائم التي ترتكبها العصابات، بما في ذلك تهريب البشر والعديد من الجرائم الجنائية الأخرى. وأشار إلى أن غياب تعاون الضحايا الأفارقة أنفسهم يعقّد مهمة السلطات في تعقب هذه الشبكات.

من جانبه، أكد مدير مديرية عتق ورئيس المجلس المحلي بالمحافظة، الأستاذ عبد الله صالح العمياء، تزايد تدفق الأفارقة إلى المدينة، خاصة من الجهة الشرقية. وأوضح العمياء أن السلطات المحلية، بالتنسيق مع محافظ شبوة، تعمل على حصر المهاجرين واللاجئين. وبين أن بعض هؤلاء المهاجرين يعتبرون مهاجرين دوليين ويقعون ضمن اختصاص المنظمة الدولية للهجرة، بينما يتطلب التعامل مع البقية، وهم لاجئون، التنسيق مع الجانبين الإثيوبي والصومالي لإيجاد حلول فعالة. هذا التقرير هو جزء من فيلم وثائقي مصور سيعرض بالتزامن مع هذا التقرير، ويسلط الضوء بشكل أعمق على هذه القضية المتشعبة.

آراء متباينة بين النشطاء

سالم الذيابي، ناشط شبواني، يرى أن هناك "مخططًا لإغراق اليمن بالأفارقة وتوطينهم". ويشير إلى إحصائيات لمنظمة الهجرة الدولية تفيد بأن أكثر من 90 ألف مهاجر أفريقي دخلوا اليمن بطريقة غير شرعية في عام 2024 فقط، معظمهم إثيوبيون مسيحيون. ويصف الذيابي ذلك بـ"الغزو المكتمل الأركان وتغيير ديموغرافي"، محذرًا من أن "الفأس سيقع بالرأس" إذا لم تتحرك السلطات.

من جانبها، ترى أم عزيز أن المشكلة تكمن في عصابات التهريب المسلحة التي تستغل موجة النزوح لاختطاف المهاجرين وابتزاز ذويهم، مشددة على أن "ليس كل مهاجر مسكين يدور لقمة" هو مجرم.

بدوره يحذر حميدو عدنان من أن الموضوع "خطير جدًا"، ويربطه بـ"الأيادي السوداء والخفية للمنظمة الماسونية" التي تسعى لنشر الديانة المسيحية في اليمن، مستغلة الظروف الصعبة التي يمر بها اليمنيون. ويزعم أن هناك من يروج للمسيحية في اليمن، بل و"اشتروا ضعاف النفوس من اليمنيين" للتبشير بها.

هذا ويتفق أبو كهلان السلمي مع رأي الذيابي بأن تدفق المهاجرين بأعداد هائلة "خطر على المجتمع" و"غزو وتغيير ديموغرافي للتركيبة السكانية"، داعيًا إلى تصعيد الموقف حتى تتدخل الجهات المعنية.
يظل ملف المهاجرين الأفارقة في شبوة معقدًا وشائكًا، تتداخل فيه الأبعاد الإنسانية والأمنية والاجتماعية والدينية.