“سنجعلث من حُصـــونهم قبورًا”.. الإمامة وتنشئة أبنائها!

يُنشِّئُ هذا الكيانُ أفرادَه صغارًا منذ طفولتهم على مفاهيم عصبوية، تحملُ في بذورها نفيَ الآخر وغمطه وازدراءه، بالقول: أنت "سيد"، وأنت "أفضل" من الغير، وأنت من سلالة أرقى، إلى آخر هذه المصطلحات العنصرية التي تكبر داخلَ عقل الطفل، وتتضخم مع مرور الأيام، حتى تصبح عقيدة راسخة في وجدانه.
وفي مرحلة اليفاعة فالشباب يغرسون في ذهنه مزعوم مظلمة تاريخية، وحق مستلب منذ قرون غبرت ومضت، فتكبر معتقداتهم بالمطالبة بحقهم مع كبرهم هم، ومن ثم يصبح كل عنصرٍ في هذا الكيان مشروع ثائر؛ بل مشروع قاتل أو مقتول، كما أسلفنا؛ لأنه يعتقد أن له حقًا اكتسبه من السماء، فاغتصبه المجتمع منه؛ ولأنه يعتقد ــ أولا وأخيرا وهو الأهم ــ أنه مشروع إمام أو خليفة أو ملك، بناءً على مزعوم هذا الحق الواهم؛ فهو حاقد على المجتمع من حوله، يعيش عقدة الصراع والتفاعل الداخلي، لذا فحين ينتقم يكون مسرفا في وحشيته، بقدر إسراف عواطفه ومعتقداته.
ويزداد توحش هذا الكيان في المجتمعات المنغلقة على نفسها والبدائية، والتي لا تنتشر فيها نوافذ الثقافة أو أضواء المعرفة، كما هو الشّأن في جبال شمال اليمن الحصينة التي ظلت مغلقة على نفسها فترة طويلة من الزمن، فباض فيها الكيان الإمامي وفرّخ، وامتلك حاضنة اجتماعية بسبب الجهل أو التجهيل الذي فُرض على كثيرٍ من شباب هذه المناطق. وهي أساسا لم تنشأ إلا في جبال الجيل والديلم، "عراق العجم"، وجبال المغرب المغربي أولا، وجبال الرس النائية في المدينة، وجبال اليمن، بعيدا عن المدن. ومن هنا اكتسبت تلك الصلابة والشراسة والانغلاق على الذات.
وبهذه التنشئة والأفكار الخاطئة يصبح كل عنصر من هذه الجماعة متأزمًا نفسيا، وغير سوي، وفي أمس الحاجة إلى تأهيل نفسي، يعيد له توازنه النفسي الداخلي، ليكون عنصرا طبيعيا في المجتمع. يقول يحيى الرسي:
أرى حقَّنا مُسْتودعًا عند غيرِنا
ولا بدَّ يومًا أن تُرد الودائعُ
هكذا يقرر، وهكذا يعتقد أتباعه، وإلا ما الذي يضطر شيخا طاعنًا في السن، في الثمانينيات أو التسعينيات من عمره لحمل السلاح الناري، والتحريض على القتل والعنف والعدوان؟!!
إنّ العنفَ الذي تمارسه هذه الجماعة في الميدان قد اعتمل في عقلهم الفردي والجمعي، وترسخ أولا في أذهانهم حتى صار عقيدة، ومن ثم انتقل إلى الواقع العملي.
إنها ذاتُ النفسية والعقلية أيضا التي جعلت من عالم كبير وأديب متعمق هو الأديب أحمد بن محمد الشامي، وفي القرن العشرين أن ينحو ذات المنحى، فيعلن هو من جهته في ملحمته الشهيرة: "دامغة الدوامغ" ما أسماه في عنوان جانبي: "يمين الثأر" قائلا:
ستسلو، قلت: لا أســــــلو ديــاري
ستنسى، قلت: لن أنسى القطينــا
عـدمتُ الدمـــــــــــع إن لم أنتـــزفه
دمـًـا بعد اللـــــــــــواتي والذينــــــا
وظلت تأكل الحســـــــــــراتُ قلبي
إذا لم أرْع حقــــهم المصـــــــــونــا
ولا أبقتْ لي الأيّــــــــــــامُ خِــــــلاً
إذا سالمتُ خصمَــــــــهم الخــؤونا
سأطلبُ ثأرهــــــــــــم حتى أراها
بلاقــــــــــــــــــع أو نعود محكمينا
ونشــــــــفي غلة، ونميت ضغنــًا
ونستقضي المغَـــــــارم والديــونا
***
سيعلمُ كل ختــــــالٍ أثيـــــــــم
بأنا رغم كل العــــــــــــالميـــنــا
سنجعل من حصـــــــونهم قبورًا
ونبني من قبـــــــــورهم حُصونا
إنّ ما يجري اليوم هو تنفيذٌ عملي لهذه الوصية الإرهابية: فها هي بلاد الحصون والقصور اليمانية قد أضحت قبورًا لليمنيين، وها هي المقابر تملأ المدن والقرى، وقد حصدتهم آلة القتل الإرهابية الحوثية.