إغلاق مؤقت للمتحف الوطني ومتحف الموروث الشعبي في صنعاء بسبب أزمة مالية خانقة

أعلنت الهيئة العامة للآثار والمتاحف في العاصمة صنعاء، أمس، عن إغلاق كل من المتحف الوطني ومتحف الموروث الشعبي بشكل مؤقت، نتيجة عجزها التام عن تغطية النفقات التشغيلية الأساسية، بما في ذلك رواتب الموظفين، وفواتير الكهرباء، وتكاليف الصيانة والحراسة.
216.73.216.10
وأكدت الهيئة، في بيان رسمي، أن هذا القرار جاء بشكل اضطراري وخارج عن إرادتها، مشيرة إلى أنها لم تعد قادرة على الوفاء بالتزاماتها المالية جراء شح التمويل وانقطاع الدعم الحكومي، رغم التحذيرات المتكررة من تداعيات هذا العجز على المواقع الأثرية والمتاحف.
وأعربت الهيئة عن أسفها البالغ وقدمت اعتذارها للمواطنين والزوار، مؤكدة أن الإغلاق لا يعكس تراجعاً في التزامها بحماية التراث، بل هو نتاج لظروف مالية قاهرة ناجمة عن تدهور الوضع الاقتصادي العام في مناطق سيطرة الحوثيين.
ويُنظر إلى هذا الإغلاق على أنه جزء من تدهور متسارع في القطاع الثقافي في اليمن، لا سيما في صنعاء، التي تشهد منذ سيطرة الحوثيين عام 2014 تراجعاً ملحوظاً في الاهتمام بالمتاحف، والمؤسسات التعليمية، والأنشطة الثقافية، لصالح أولويات أمنية وعسكرية.
وتشير تقارير رصدها باحثون وناشطون ثقافيون إلى أن السلطة الحوثية لم تُولِ القطاع الثقافي أولوية حقيقية، حيث تم تهميش ميزانيات المؤسسات الثقافية، وتوجيه الموارد نحو دعم الجبهات العسكرية، فضلاً عن فرض قيود على الأنشطة الثقافية التي لا تتماشى مع خطاب الجماعة، ما أدى إلى تآكل المشهد الثقافي، وانكفاء المؤسسات الثقافية عن أداء دورها.
كما توقفت برامج الصيانة الدورية للمعالم الأثرية، وشهدت بعض المواقع الأثرية في صنعاء وحولها تدهوراً ملحوظاً، في ظل غياب الرقابة والدعم، ما يثير مخاوف من فقدان جزء من الإرث الحضاري اليمني، الذي يمتد لأكثر من خمسة آلاف سنة.
وأكدت الهيئة أنها تبذل جهوداً حثيثة للتواصل مع جهات محلية ودولية لتأمين دعم عاجل يُسهم في إعادة فتح المتاحف، لكنها تواجه صعوبات كبيرة في ظل القيود المفروضة على التعاملات المالية، وغياب التنسيق الفعّال مع الجهات المانحة الدولية، خصوصاً مع تصنيف الجماعة المسيطرة في صنعاء ككيان يهدد الاستقرار الإقليمي.
وأشارت مصادر ثقافية إلى أن المتحف الوطني في صنعاء يضم مقتنيات نادرة من مختلف العصور، من الحضارة المأربية والسبئية إلى العصور الإسلامية، كما يحتوي متحف الموروث الشعبي على تشكيلة فريدة من الأزياء التقليدية، والأدوات المنزلية، والحرف اليدوية، التي تمثل الهوية اليمنية الأصيلة، مما يجعل إغلاقهما خسارة وطنية وثقافية كبيرة.
ودعت منظمات محلية ودولية متخصصة في حماية التراث، مثل اليونسكو والإيكوم (ICOM)، إلى التدخل العاجل لإنقاذ المتاحف اليمنية، واعتبارها جزءاً من التراث الإنساني، محذرة من أن الإغلاق الطويل قد يؤدي إلى تلف المعروضات، أو تهريب بعض القطع النادرة في ظل ضعف الإجراءات الأمنية.
ويُنظر إلى هذه الأزمة كمؤشر جديد على انهيار البنية الثقافية والتعليمية في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث لم تقتصر الأزمة على المتاحف، بل امتدت إلى الجامعات، والمكتبات العامة، والمسارح، التي تعاني من إهمال ممنهج، وتحويل بعضها إلى مقار عسكرية أو دعوية.
ويطالب المثقفون والمهنيون في قطاع الآثار بضرورة فصل الثقافة عن الصراع السياسي، واعتبار الحفاظ على التراث أولوية وطنية عليا، بغض النظر عن الانتماءات الحزبية أو المذهبية.
وفي الوقت الذي تُبذل فيه جهود محدودة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، يبقى مصير المتاحف اليمنية، وتراثها العريق، رهين التمويل، والدعم الدولي، ونوايا الجهة الفعلية المسيطرة على القرار في صنعاء، التي لم تُظهر حتى الآن ما يوحي باتخاذ خطوات جادة لإنقاذ هذا الموروث من الاندثار.