”من يُعلّم العلوم غدًا؟ أزمة خانقة تهدد مستقبل التعليم العلمي في اليمن”

تشهد الجامعات اليمنية تراجعًا مقلقًا في الإقبال على أقسام الفيزياء والكيمياء، في ظاهرة تُنذر بأزمة هيكلية مستقبلية في تأهيل الكوادر العلمية، لا سيما في مجالات التعليم المدرسي والجامعي. وتشير مصادر أكاديمية إلى أن بعض الجامعات لم تسجّل أي التحاق بتلك التخصصات لسنوات متتالية، ما يهدد باختفاء أقسام بأكملها ويُضعف البنية التعليمية للعلوم الأساسية في البلاد.
216.73.216.162
وفي جامعة الحديدة، أحد أبرز المؤسسات الأكاديمية في غرب اليمن، كشفت إحدى الطالبات أنّها كانت الوحيدة التي التحقت بقسم الفيزياء خلال العام الدراسي الماضي، بعد أن أُبلغت من قبل إدارة الكلية بأن القسم لم يُسجّل أي طالب جديد طوال العامين الدراسيين السابقين. وأضافت الطالبة، التي فضّلت عدم ذكر اسمها، أنّها اضطرت للاستمرار في التخصص رغم قلة الموارد وغياب الزملاء، "خوفًا من أن يُغلق القسم نهائيًّا".
ويعزو خبراء تربويون وأكاديميون هذا العزوف المتزايد إلى مجموعة من العوامل المتشابكة، في مقدمتها ضعف العائد المادي من مهنة التدريس، وانعدام فرص التوظيف لخريجي كليات التربية، خصوصًا في التخصصات العلمية. فعلى الرغم من أهمية الفيزياء والكيمياء كركائز أساسية للتنمية العلمية والتكنولوجية، فإن خريجي هذه الأقسام غالبًا ما يواجهون مصير البطالة أو العمل التطوعي غير المدفوع الأجر لفترات طويلة، قبل أن يُنهى تعاقدهم دون أي ضمانات وظيفية.
ويوضح الدكتور أحمد المطري، أستاذ المناهج وطرق التدريس في جامعة صنعاء، أن "الشباب اليوم يبحثون عن تخصصات توفر لهم دخلًا سريعًا وفرص عمل حقيقية، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمن. ومن الطبيعي أن يتجهوا إلى تخصصات مثل تكنولوجيا المعلومات، أو الإدارة، أو حتى الطب، بينما تُنظر العلوم الأساسية كخيارات ثانوية أو غير عملية".
ويُفاقم من الأزمة غياب سياسات حكومية واضحة لدعم خريجي التخصصات العلمية، سواء من خلال توظيفهم في المدارس الحكومية أو تقديم حوافز مالية ومهنية تشجّع على الالتحاق بهذه المجالات. كما أن ضعف البنية التحتية المخبرية في الجامعات، ونقص الكوادر التدريسية المؤهلة، يُسهم في تدني جودة التعليم، ما يزيد من نفور الطلاب.
ويحذّر مراقبون من أن استمرار هذا الاتجاه قد يؤدي إلى فجوة خطيرة في المستقبل القريب، حيث ستفتقر المدارس والجامعات إلى معلّمين وأساتذة متخصصين في العلوم، ما ينعكس سلبًا على جودة التعليم ويجعل من الصعب على الأجيال القادمة بناء قدرات علمية وتقنية تُسهم في تنمية البلاد.
وفي ظل غياب رؤية وطنية شاملة لإصلاح التعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل، يبقى مستقبل العلوم الأساسية في اليمن معلّقًا بين تراجع مطرد وغياب الحلول، في وقت تزداد فيه الحاجة إلى الاستثمار في العقول العلمية أكثر من أي وقت مضى.