”لا مقاعد، لا كتب، ولا نوافذ... كيف يتعلم أطفال قرية يمنية؟”

في قرية نائية تقع على أطراف مديرية سامع بمحافظة تعز، لا تُسمع فيه أصوات الطابور الصباحي، بل تعلو همسات التساؤل من بين جدران مهدمة: كيف يُمكن أن يتعلم طفلٌ واقفًا، في فصل يكاد لا يستوعب نصف من فيه، دون كتاب، دون مقعد، ودون نافذة تُدخل له نور الأمل؟
مدرسة الثورة في قرية الضياء لم تعد رمزًا للنهضة التعليمية، بل أصبحت أيقونة لكارثة تعليمية صامتة، تُحاصر مستقبل مئات الأطفال، بينما تمر الذكرى السنوية لثورة 26 سبتمبر — التي رفعت شعار "الحرية، التعليم، التقدم" — دون أن تُغيّر شيئًا في واقع هذه الفئة الأكثر تهميشًا.
216.73.216.131
ففي مشهد يُدمي القلب، يُجبر أكثر من 90 طالبًا على التجمع في فصل واحد لا تتجاوز مساحته 40 مترًا مربعًا، وفق مصادر ميدانية من داخل المدرسة. لا مقاعد دراسية كافية، بل يجلس البعض على الأرض، والبعض الآخر يقف بطول الحصة، في فصول تفتقر إلى أبسط مقومات البيئة التعليمية: لا نوافذ تُحمي من برد الشتاء أو حر الصيف، ولا كتب دراسية، ولا كادر تعليمي كافٍ.
وبحسب إحصائية غير رسمية جمعتها فرق محلية، فإن متوسط عدد الطلاب في كل فصل بالمدرسة يتجاوز 85 طالبًا، في حين أن المعدل المقبول دوليًا لا يزيد عن 30 طالبًا لكل معلم.
المعلمون، الذين يتقاضون رواتب متدنية تقارب 30 ألف ريال يمني شهريًا (أقل من 50 دولارًا)، يعملون تحت وطأة الإرهاق والإحباط، فيما تضطر معلمات متطوعات إلى سد الفراغ الناتج عن نقص الكوادر، دون أي دعم مادي أو معنوي.
وأمام هذه الأزمة، تُظهر صور التقطت داخل الفصول وجوهًا صغيرة تحمل ابتسامات ساخرة، كأنها تقول: "نحن نعرف أن أحدًا لا يرانا... لكننا هنا، ونستحق أن نتعلم".
الواقع المرير: التعليم بين الأمل والتهميش
رغم الكثافة السكانية العالية في قرية الضياء، التي يُقدّر عدد سكانها بأكثر من 12 ألف نسمة، تُعاني المدرسة من إهمال متراكم على مدى سنوات. لا توجد مباني جديدة، ولا خطط تطوير، ولا حتى مشروع صيانة بسيط، في وقت تُعلن فيه وزارة التربية عن "رؤية وطنية للتعليم الشامل".
"كيف نُربّي جيلًا واعيًا ونحن نُجبر أبناءنا على التعلم في ظل هذه الظروف؟"، تقول إحدى الأمهات، وهي تُشير إلى ابنها الذي يحمل كتابه بين يديه لأنه لا يوجد مكان يضعه عليه. وتضيف: "نحن لا نطلب قصرًا تعليميًا، فقط نريد فصلًا آمنًا، ومقعدًا يُجلس عليه طفلي، وكتابًا يُقرؤه".
أسئلة تُطرح على المسؤولين: أين أنت يا وزارة التربية؟
في الوقت الذي تُحتفل فيه بذكرى ثورة 26 سبتمبر، التي قامت على مبادئ مكافحة الجهل والتخلف، يظل اسم "مدرسة الثورة" مُجرد تناقض صارخ مع واقع الحال. فكيف يمكن أن تُسمّى مدرسة باسم الثورة، بينما يُعاني طلابها من ظروف تُشبه عصور ما قبل التعليم الحديث؟
الأهالي يوجهون انتقادات حادة لمكتب التربية في المديرية، ويسألون:
"أين دوركم؟ أين المتابعة؟ أين التقارير؟"
ويتساءلون: "هل تصل التحويلات المالية للمدارس؟ أم أن هناك تسريبات وتلاعب يُحرم المدرسة من دعمها؟".
ويُصر الأهالي على أن الحل لا يكمن في وعود، بل في إرادة سياسية حقيقية تُترجم إلى مشاريع ملموسة: بناء فصول جديدة، توفير كتب، تعيين معلمين، وتحسين رواتب المعلمين الحاليين.