السبت 13 سبتمبر 2025 08:14 مـ 21 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

ساحل حضرموت على شفا أزمة تعليمية مفتوحة: إعلان تحذيري يضع المعلمين المضربين أمام ”خيارين لا ثالث لهما”

السبت 13 سبتمبر 2025 09:33 مـ 21 ربيع أول 1447 هـ
التعليم في اليمن
التعليم في اليمن

وسط تصاعد حدة التوتر بين السلطة المحلية في ساحل حضرموت ومئات المعلمين المتعاقدين الذين يخوضون إضرابًا منذ بداية العام الدراسي، نشر مكتب وزارة التربية والتعليم بالمحافظة، السبت، إعلانًا تحذيريًا صارمًا وصفه تربويون وناشطون بـ"الأكثر حزمًا منذ اندلاع الأزمة"، يمنح المعلمين الممتنعين عن الدوام مهلة زمنية غير معلنة للعودة الفورية إلى مقاعد التدريس، وإلا فسيواجهون الفصل الفوري والاستبدال.

216.73.216.105

وجاء الإعلان، الذي نُشر عبر الصفحات الرسمية للمكتب على منصات التواصل الاجتماعي، كرد مباشر على استمرار الإضراب الذي انطلق في الأول من سبتمبر الجاري، احتجاجًا على تدني المرتبات، وغياب أي رؤية لتسوية أوضاعهم الوظيفية، وظروف العمل الصعبة التي تشمل نقص الكتب الدراسية، وانعدام البنية التحتية، وتأخر صرف المستحقات حتى بعد مرور أكثر من شهر على بدء الدراسة.

إطار قانوني صارم.. وتوجيهات وزارية مباشرة

استند الإعلان إلى خطاب رسمي صادر عن وزير التربية والتعليم، رقم (291/و ت ت/2025)، بتاريخ 2 سبتمبر 2025، يُطالب فيه جميع المكاتب التنفيذية باتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان استمرارية العملية التعليمية، وإلى مخرجات اللقاء الموسع الذي عقدته السلطة المحلية في 7 سبتمبر، وضمّ قيادات مكاتب التربية والتعليم والخدمة المدنية والتأمينات الاجتماعية والشؤون القانونية، تمثّل كل من ساحل ووادي وصحراء حضرموت.

وأكد الإعلان أن "التقارير الميدانية أظهرت عودة عدد كبير من الكوادر التعليمية إلى أدوارها التدريسية، وهو مؤشر إيجابي يجب أن يُستكمل بعودة باقي المتعاقدين، حفاظًا على مصلحة التلاميذ والطلاب، وتوفير بيئة تعليمية مستقرة ومثمرة لهم". لكنه أضاف بصيغة حاسمة: "لن يُتهاون مع من يمتنعون عن أداء واجبهم المهني، وسيُطبّق عليهم ما نصّت عليه العقود المبرمة معهم، بما في ذلك إنهاء الخدمة واستبدالهم بمن يلتزمون بالواجب".

وأشار المكتب إلى أنه سيستخدم القنوات القانونية المعتمدة لدى مكتب الخدمة المدنية لتنفيذ عمليات الاستبدال، دون الحاجة لإجراءات إدارية طويلة، مشيرًا إلى أن "العقود المبرمة مع هؤلاء المعلمين هي عقود استثنائية لتغطية العجز المؤقت، ولا تترتب عليها أي التزامات توظيف دائمة أو مزايا وظيفية رسمية".

المعلمون: "نحن موظفون، وليس مجرد عمال مؤقتين!"

في المقابل، يرفض المعلمون المضربون هذا التصنيف، ويؤكدون أنهم يعملون في مدارس حكومية منذ سنوات — بعضهم لأكثر من عقد — ويتلقون رواتب شهرية من إيرادات السلطة المحلية، رغم أنها لا تتجاوز 15-20 ألف ريال يمني (أقل من 30 دولارًا أمريكيًا)، وهي أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور في المناطق الأخرى، وأدنى من تكلفة المواصلات اليومية.

وقال أحد المعلمين، طلب عدم ذكر اسمه:

"نحن لا نطلب وظيفة دائمة فقط، بل نطالب بكرامة. نحن نُدرّس أبناء حضرموت، ونتحمل مسؤولية تشكيل مستقبلهم، بينما تُعاملنا السلطة وكأننا عمال موسميين. إذا كنا عقودًا مؤقتة، فلماذا نُكلف بتدريس آلاف الطلاب؟ ولماذا نُحاسب على غيابنا بينما لم تُدفع لنا مرتباتنا منذ أشهر؟"

وأشارت مصادر تربوية داخل المدارس إلى أن الإضراب أثر بشكل مباشر على أكثر من 80% من المدارس في المديريات الساحلية، حيث تراجعت نسبة الحضور الطلابي بنسبة تزيد على 40%، وتحولت بعض المدارس إلى "أبنية فارغة" بسبب غياب المعلمين، بينما اضطرت إدارة بعض المدارس إلى تكليف معلمين من القطاع الخاص أو طلاب جامعيين لسد الفراغ — وهو ما يهدد جودة التعليم وفق معايير الوزارة نفسها.

أزمة مالية وقانونية متشابكة

الواقع أن وضع المعلمين المتعاقدين في ساحل حضرموت يعكس أزمة أوسع: فهي ليست أزمة أجور فقط، بل أزمة هوية وظيفية وقانونية.

فبينما تصر السلطة المحلية على أن هذه العقود "مؤقتة وتُمول من إيرادات المحافظة"، فإن وزارة الخدمة المدنية تنفي أي صلاحية لها في التعامل معهم، لأنهم لا يدخلون ضمن النظام الأساسي للوظائف العامة، مما يجعلهم في "فراغ قانوني" — لا هم موظفون رسميون، ولا يمكن فصلهم بسهولة قانونيًا، لكنهم أيضًا لا يمتلكون أي ضمانات.

وبحسب وثائق داخلية ، فإن إجمالي المتعاقدين في ساحل حضرموت يتجاوز 3,200 معلم ومعلمة، منهم أكثر من 1,100 ما زالوا في حالة إضراب، معظمهم من حملة الشهادات الجامعية، وغالبيتهم من الشباب الذين يعولون عائلات بأكملها.

تصعيد متبادل يهدد مستقبل التعليم

ويأتي هذا الإعلان التحذيري في سياق تصعيد متبادل بين الطرفين: فبينما تلوح السلطة المحلية باستبدال المضربين بـ"مدربين جدد" من خارج المحافظة أو من خريجي كليات التربية غير المُعتمدين، فإن المعلمين يهددون بتحويل الإضراب إلى "وقفة احتجاجية شاملة" في مقر المحافظة، ودعوة المنظمات الدولية والهيئات التربوية لرصد الانتهاكات.

وأكد ناشطون تربويون أن "الحل لن يكون بالتهديد أو الاستبدال، بل بالحوار والاعتراف بحقوق الإنسان قبل حقوق الدولة". وأضافوا:

"إذا فُصل المعلمون، فلن تُحل المشكلة، بل ستُخلق أزمة جديدة: جيل من الطلاب يُربّى في ظل غياب الثقة بالمؤسسة التعليمية، ومعلمين جدد لا يملكون الخبرة أو الانتماء، ومجتمع يفقد الثقة في قدرة الدولة على حماية حقه في التعليم."

ماذا بعد؟

ويبقى السؤال الأكبر: هل ستُفتح أبواب الحوار قبل فوات الأوان؟ أم أن حسابات السياسة والميزانيات ستفوق حسابات الأطفال والمستقبل؟

في غضون ذلك، تبقى المدارس في ساحل حضرموت على شفا شلل كامل، والطلاب يعيشون يومًا بعد يوم بلا معلمين، والآباء يقفون عاجزين، والدولة تُصارع بين مبدأ "الإنضباط" وضرورة "العدالة الاجتماعية".

ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة تطورات متسارعة، إذ دعت نقابة المعلمين في حضرموت، في بيان منفصل، إلى عقد جلسة طارئة مع ممثلين عن السلطة المحلية، مطالبة بـ"جدول زمني واضح لصرف الرواتب، وآلية لتحويل العقود المؤقتة إلى عقود دائمة بناءً على الأقدمية والأداء".

أما السلطة المحلية، فلم تصدر أي رد رسمي على هذه الدعوة، واكتفت بالتأكيد على أن "الحل الوحيد هو العودة الفورية للدوام، وكل شيء آخر يأتي لاحقًا... إن وُجد".

بين شعار "لا تدريس بدون رواتب" وشعار "لا رواتب بدون دوام"، تظل مدارس حضرموت ساحة صراع لا يدور حول أجور، بل حول كرامة، ومستقبل، وهوية التعليم في اليمن.
والسؤال الآن: من سيُحمّل تبعات انهيار نظام تعليمي بأكمله؟

موضوعات متعلقة