بعد 11 عامًا من السيطرة.. مليشيا الحوثي الإيرانية على شفا الانهيار الكامل وسط عزلة دولية وغضب شعبي متزايد

في مشهد دراماتيكي يعكس تحوّلًا جذريًا في موازين القوى، تدخل مليشيا الحوثي الإيرانية، الذراع العسكرية لطهران في اليمن، ذكرى سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014، وهي تعيش أسوأ مراحلها منذ نشأتها، حيث تواجه انهيارًا شاملًا على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية، وسط ضغوط دولية غير مسبوقة وعزلة داخلية متصاعدة.
216.73.216.39
فبعد أن كانت الجماعة تحتفل في الأعوام الماضية بـ"ذكرى الانقلاب" كمناسبة للتفاخر والتمدد، باتت اليوم تختبئ من الضربات الإسرائيلية، وتعجز عن تشكيل حكومة جديدة بعد مقتل معظم قياداتها ومسؤوليها في سلسلة ضربات دقيقة، ما أدى إلى شلّ حركتها وتفكيك بناها التنظيمية، ودفعها إلى حافة الهاوية.
بداية النهاية: عزلة داخلية وضغط خارجي لا سابق له
يقول العميد الركن عبدالصمد المجزفي، الخبير العسكري اليمني، في تصريح حصري لموقع "العين الإخبارية":
"ما تعيشه مليشيا الحوثي اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل هو بداية النهاية الحقيقية لهذه العصابة الإرهابية. العالم بأسره بدأ يدرك أن هذه الجماعة ليست مجرد فصيل محلي، بل ذراع إيرانية تهدد الأمن الإقليمي والدولي، ولهذا بدأت آليات المواجهة تتشكل بقوة."
ويضيف المجزفي أن أدوات الضغط الدولي تشمل:
- التصنيف كمنظمة إرهابية: وهو ما قلّص بشكل كبير من مصادر التمويل الخارجي، وأغلق أمامها قنوات التحويلات المالية، وأصاب شبكاتها الاقتصادية في مقتل.
- الحصار الاقتصادي الذكي: من خلال نقل مراكز الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والبنوك الكبرى إلى العاصمة المؤقتة عدن، مما حرّم على الحوثيين الوصول إلى العملة الصعبة، وأضعف قدرتهم على تمويل حروبهم وشراء الولاءات.
- تفكيك البنية التحتية للسلطة: فبعد مقتل أو إصابة غالبية الوزراء والمسؤولين الحوثيين في الضربات الإسرائيلية، تعجز الجماعة عن تشكيل حكومة فاعلة، وتواجه فراغًا إداريًا يهدد بانهيار مؤسسات الدولة في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ويؤكد المجزفي أن "نهاية الحوثيين باتت مسألة وقت"، فالشعب اليمني، كما يقول، "لم يعد يُخدع بشعاراتهم الدينية أو خطابهم الثوري المزيف، بل يرى فيهم عصابة إجرامية تدمّر البلاد وتخدم أجندات خارجية"، مشيرًا إلى أن روح ثورة 26 سبتمبر – التي أطاحت بالنظام الملكي – لا تزال حية، وأن اليمنيين لن يقبلوا بديلاً عن دولة مدنية حديثة.
"تسوية الميدان" قادمة.. والحسم العسكري والاقتصادي على الأبواب
من جهته، يرى المحلل السياسي اليمني أدونيس الدخيني أن "الوضع لم يعد يحتمل المزيد من المراوغة"، وأن ما يُسمى بـ"تسوية الميدان" أصبح الخيار الوحيد المتبقي أمام المجتمع الدولي والإقليمي لحسم الملف اليمني.
ويوضح الدخيني أن هناك خطوات عملية وحاسمة تُتخذ على الأرض لخنق الحوثيين من كل الاتجاهات:
- هجرة البنوك والمؤسسات المالية: حيث انتقلت البنوك اليمنية الكبرى والمؤسسات النقدية إلى عدن، ما أدى إلى تعافي ملحوظ في قيمة الريال اليمني في مناطق الحكومة الشرعية، مقابل انهيار متواصل في مناطق سيطرة الحوثي.
- عقوبات دولية مشددة: طالت شركات وشخصيات مرتبطة بالقيادات الحوثية، بما في ذلك شركات وهمية تستخدم لغسل الأموال وتهريب الأسلحة.
- تشديد التفتيش البحري: في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تراقب قوات التحالف والسفن الدولية كل سفينة متجهة إلى ميناء الحديدة، مما قلّص تدفق الأسلحة الإيرانية والموارد اللوجستية.
- تصاعد الغضب القبلي والشعبي: ففي مناطق مثل إب وذمار وصعدة، بدأت القبائل ترفع صوتها ضد الممارسات الحوثية، وتطالب بوقف التجنيد الإجباري ونهب الموارد، وهو ما يضع الجماعة في مواجهة مباشرة مع قواعدها الشعبية السابقة.
ويختتم الدخيني تصريحه بالقول:
"هناك إجماع غير معلن، لكنه قوي، بين القوى المحلية والإقليمية والدولية على ضرورة استثمار التحوّلات الجيوسياسية الحالية في المنطقة – خاصة مع تراجع النفوذ الإيراني وانشغال طهران بمشاكلها الداخلية – لحسم المعركة مع الحوثيين. الفرص اليوم أفضل من أي وقت مضى، والانهيار قادم لا محالة."
سيناريوهات ما بعد الانهيار
في ظل هذا التدهور المتسارع، تبدأ التساؤلات حول ما بعد سقوط الحوثيين:
- هل سنشهد عملية سياسية شاملة لإعادة بناء الدولة اليمنية؟
- كيف سيتم التعامل مع آلاف المقاتلين الحوثيين والمقاتلين القُصّر الذين جُندوا قسرًا؟
- ما مصير البنى التحتية العسكرية والصواريخ الباليستية التي تمتلكها الجماعة؟
أسئلة كثيرة، لكن المؤكد – بحسب المصادر – أن اليمن يقف على أعتاب مرحلة جديدة، قد تكون الأصعب في تفاصيلها، لكنها الأكثر أملًا في استعادة الدولة والسيادة والوحدة.
بعد 11 عامًا من الفوضى والدمار، يبدو أن ساعة الحساب قد دقت لمليشيا الحوثي. فبينما كانت تحتفل في الماضي بانقلابها، تحتفل اليوم بانهيارها. الضغوط الدولية، العزلة الاقتصادية، الغضب الشعبي، والضربات العسكرية الدقيقة، كلها ترسم خريطة طريق واحدة: نهاية قريبة لمشروع إيران في اليمن، وبداية حقيقية لليمن الجديد.