البحر اليمني: قصة اقتصاد أزرق يبني مستقبل الوطن

في اليمن، البحر ليس مجرد مساحة مائية تمتد على الخريطة، بل هو قلب نابض بالحياة والفرص، وسرّ القوة الاقتصادية القادمة. يمتد الساحل اليمني لأكثر من ألفين وخمسمئة كيلومتر، تعانقه عشرات الجزر الفريدة مثل سقطرى وكمران وميون، لتشكل فضاءً حيويًا زاخرًا بالموارد، يفتح لليمن آفاقًا واسعة للتحول إلى قوة بحرية وتنموية مستدامة.
216.73.216.81
عند شروق الشمس، يخرج الصياد البسيط بقاربه الصغير لا ليصطاد فقط، بل ليحمل قصة وطن بأكمله. ذلك القارب يتحول إلى منصة تعليمية وسياحية واقتصادية، ينقل للزوار ثقافة البحر اليمني، ويكشف عن كنوزه المخفية من اللؤلؤ الطبيعي والشعاب المرجانية إلى الأحجار الكريمة البحرية والأعشاب الطبية التي تمثل ثروة صحية وطبيعية متجددة. هنا يصبح الصياد رسول البحر ومروجًا لمنتجات يمنية متميزة، ليكون البحر مصدر دخل مستدام ورافدًا حيويًا للاقتصاد الوطني.
يمتلك البحر اليمني مقومات فريدة للسياحة البحرية، حيث يمكن للزائر الغوص بين الشعاب المرجانية ومشاهدة الحياة البحرية النادرة، والانطلاق في رحلات استكشاف للأحياء المائية والأسرار الدفينة في الأعماق. ومع تنظيم المهرجانات البحرية وسباقات القوارب الشراعية والسباحة المفتوحة، يمكن لليمن أن يضع نفسه على خريطة السياحة البحرية العالمية، ويجذب آلاف الزوار سنويًا. هذه الفعاليات ليست ترفًا، بل منصات تنموية حقيقية تخلق فرص عمل للشباب والنساء في مجالات متعددة، من المطاعم البحرية ومحلات الأدوات إلى صناعة وصيانة القوارب والشباك، مرورًا بالتسويق السمكي وصناعة المحتوى البحري، مما يحوّل كل مشروع صغير إلى نافذة تعليمية وتجريبية ومصدر دخل كريم للأسر الساحلية.
ولا يتوقف البحر عند حدّ السياحة والرزق، بل يفتح أبوابًا واسعة أمام البحث العلمي والاكتشاف. فالأعشاب الطبية، والكائنات البحرية النادرة، وتنوع البيئة المائية في اليمن تجعل من السواحل مختبرًا طبيعيًا للعلماء والباحثين، وفرصة لإنشاء مراكز بحث ومختبرات جامعية تعزز المعرفة وتسخّرها لخدمة التنمية المستدامة.
تشير التقديرات إلى أن الاقتصاد الأزرق في اليمن قادر على توليد أكثر من مئة وأربعين ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، بعائد سنوي يتراوح بين أربعمئة وخمسمئة وخمسين مليون دولار، ومتوسط دخل للفرد قد يصل إلى سبعمئة دولار شهريًا. وهذه الأرقام ليست مجرد توقعات اقتصادية، بل مؤشرات على أن البحر قادر على تحويل القارب الصغير والصياد البسيط إلى محرك تنموي حقيقي، وإلى لبنة في نهضة التعليم والسياحة والبحث العلمي معًا.
ولكي تتحقق هذه الرؤية، يحتاج الاقتصاد الأزرق اليمني إلى إطار وطني شامل وواضح المعالم، يستند إلى إدارة مستدامة للمصايد وتنظيم السياحة البحرية ودعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، مع برامج تدريبية لبناء قدرات الشباب والنساء في مجالات الصيد المستدام والإرشاد البحري وصناعة القوارب والشباك والتسويق السمكي والترويج وصناعة المحتوى البحري. كما يتطلب تطوير بنية تحتية متقدمة تشمل الموانئ ومحطات التبريد بالطاقة النظيفة وتحلية المياه في المنتجعات والمناطق الساحلية، وتشجيع البحث العلمي في دراسة المخلوقات البحرية والأعشاب الطبية، بما يرسخ مكانة اليمن مركزًا للمعرفة والاكتشاف العلمي في الإقليم.
وعندما يلتقي الاقتصاد الأزرق بالاقتصاد الأخضر في اليمن، تتشكل رؤية وطنية متكاملة لمستقبل السواحل، حيث تتحول الموارد البحرية إلى قوة اقتصادية حقيقية تحافظ على البيئة، وتعزز السياحة البحرية، وتدعم المشاريع الصغيرة، وتمكّن المجتمع الساحلي من تحقيق تنمية مستدامة. عندها يصبح البحر اليمني ليس مجرد مشهد طبيعي خلاب، بل رمزًا للحياة والعمل والازدهار، وركيزة لبناء مجتمع ساحلي مزدهر واقتصاد وطني قوي للأجيال القادمة.
يمتلك اليمن ثروات بحرية هائلة لا تقدر بثمن، من الشعاب المرجانية الزاهية واللؤلؤ الطبيعي إلى الأعشاب الطبية والأحجار الكريمة البحرية. إن الاقتصاد الأزرق ليس مجرد تجارة أو صيد، بل حكاية وطن يتنفس البحر ويحوّل كل موجة وكل شاطئ إلى قصة نجاح متجددة. فالقارب الصغير والصياد البسيط ليسا مجرد رمزين للماضي، بل سفيرين للمستقبل، لوطن يحلم ويصنع الأفق، ويكتب بين الأمواج قصة نهضته القادمة، في بحرٍ لا يعرف الغروب عن شواطئ اليمن.