النهاية تقترب..و ذمار تشتعل: خلاف قبلي يُهدّد عرش الحوثي من الداخل”

تغلي محافظة ذمار بسخط شعبي وقبلي غير مسبوق، في ظل تصاعد حاد للتوترات بين أبناء القبائل المحلية وقيادات ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، ما يُنذر بتحولات دراماتيكية قد تهدد بقاء سلطة الجماعة في واحدة من أكثر المحافظات التي اعتمدت عليها في تثبيت نفوذها منذ اجتياحها للعاصمة صنعاء عام 2014.
216.73.216.162
ويأتي هذا الغليان في وقت تتكشّف فيه مؤشرات قوية على احتمال اندلاع انتفاضة قبلية واسعة، بعد تفجّر خلافات حادة بين أحد أبرز الزعامات القبلية الموالية للحوثيين، الشيخ محمد حسين المقدشي – المستشار في ما يسمى "المجلس السياسي الأعلى" التابع للجماعة – وأبناء قبيلته في مديرية المنار، ما فجّر أزمة داخلية كشفت عن هشاشة التحالفات القبلية التي بُنيت على الولاءات المصلحية أكثر من الانتماء الوطني أو القبلي الأصيل.
اتهامات متبادلة وتهديدات علنية تهدّد السلم القبلي
الأزمة اندلعت بعد منشور ناري للشيخ المقدشي على صفحته بموقع فيسبوك، وجّه فيه اتهامات خطيرة لأبناء منطقة "بني سلامة" التابعة لمديرية المنار، واصفًا إياهم بـ"قطاع الطرق واللصوص والقتلة"، مؤكدًا أنهم "ارتقوا من النهب إلى القتل تحت غطاء المسيرة الحوثية". وذهب المقدشي إلى حدّ تسمية ضحايا محددين، قائلاً: "قتلوا المقصعي، ونهبوا ممتلكات إسحاق والميثالي وجعفر، وسيطروا على مدير أمن ذمار ونهبوا أراضي الحودي وغيره".
وأثارت هذه التصريحات موجة غضب عارمة بين أبناء قبيلة آنس، الذين اعتبروها إساءة جماعية لا تمتّ للواقع بصلة، ومحاولة مبيّتة لإشعال فتنة قبلية في وقت تشهد فيه المحافظة تدهورًا أمنيًا واقتصاديًا غير مسبوق. وازدادت حدة التوتر بعد أن لوّح المقدشي بتهديد صريح، قائلاً: "إن لم تردوا حقوق المظلومين، لنسحبكم في الشوارع يا أصحاب السوابق"، ما اعتبره كثيرون تهديدًا مباشرًا بالعنف وخرقًا صارخًا للعرف القبلي الذي يحظر التعميم والتشهير.
رفض حوثي وقبلي لاحتواء الأزمة
مصادر محلية أكدت أن قيادات حوثية رفيعة المستوى حاولت التدخل لاحتواء الأزمة، عبر اتصالات ووساطات مكثفة طلبت من المقدشي حذف منشوره أو التراجع عن اتهاماته، خشية من تداعياتها الأمنية والسياسية. لكن الشيخ رفض كل الضغوط، متمسكًا بمواقفه، ما يعكس – بحسب مراقبين – تراجع سلطة الجماعة حتى على حلفائها التقليديين، وانزلاقها نحو فقدان السيطرة على خطابها القبلي.
وفي المقابل، تصاعد الغضب الشعبي في أوساط أبناء آنس، حيث انتقد ناشطون ومدونون أسلوب "الاستعلاء والتهديد" الذي اتبعه المقدشي. ومن بين أبرز المنتقدين، المدون رشيد البروي، الذي كتب: "بعد أن فشل المقدشي في إشعال فتنة بين عنس والحداء، ها هو اليوم يحاول خلق صراع جديد بين آنس وعنس، ويهدد ويتوعد بأسلوب لا يليق لا بشيخ ولا بقبيلة".
الشِّعر يدخل على الخط.. والقبائل تدعو للتهدئة
ولم تقتصر المواجهة على وسائل التواصل الاجتماعي، بل امتدّت إلى المجال الثقافي والشعبي، حيث دخل شعراء من القبائل المعنية على خط الأزمة، وتبادلوا الزوامل الشعبية التي تدعو إلى الحكمة والتهدئة، وتحذّر من العودة إلى عصور الصراعات القبلية. ويعكس هذا التدخل الشعري حساسية الموقف في ذمار، التي كانت تُعدّ لعقود من الزمن نموذجًا للتعايش القبلي والاستقرار النسبي، قبل أن تُحوّلها سياسات الحوثيين إلى بؤرة للتوتر والانقسام.
اتهامات متبادلة: "عفاشية" في مواجهة "النفوذ القديم"
وفي محاولة لاحتواء الغضب القبلي، دخل المدون الحوثي رضوان سبيع على الخط، مهاجمًا المقدشي ووصفه بأنه "يتصرف بعقلية النظام العفاشي"، مؤكدًا أن "زمن نفوذ المشائخ المطلق قد انتهى"، وأن مؤسسات الدولة – كما يزعم – يجب أن تكون فوق الولاءات القبلية. لكن هذا الخطاب لم يجد صدى واسعًا بين القبائل، التي باتت ترى في سلطة الحوثيين مجرد أداة لجباية الأموال وقمع الحريات، لا مشروعًا وطنيًا أو ثوريًا.
مؤشرات تآكل النفوذ الحوثي في معقله القبلي
ويرى مراقبون سياسيون واجتماعيون أن الأزمة الحالية في ذمار ليست حدثًا معزولًا، بل جزء من موجة سخط شعبي وقبلي أوسع تجتاح مناطق سيطرة الحوثيين، خصوصًا في ظل تدهور الأوضاع المعيشية، وتفشي الفساد، وازدياد جرائم النهب والمصادرة العقارية، وغياب أبسط مقومات العدالة. وتشير التقديرات إلى أن كثيرًا من القبائل التي كانت تشكّل العمود الفقري للحوثيين في جبهات القتال، باتت اليوم تنظر إليهم كسلطة احتلال لا كحلفاء.
ويُجمع محللون على أن تفجّر الخلافات داخل معاقل الحوثيين يُعدّ مؤشرًا خطيرًا على تآكل تماسك الجماعة من الداخل، وقد يفتح الباب أمام موجة من التمردات المحلية، خصوصًا إذا استمرت سياسات القمع والفساد دون رادع. وربما تكون ذمار، بتركيبتها القبلية المعقدة وتاريخها النضالي، المحطة الأولى في سلسلة انتفاضات قادمة قد تُعيد رسم خريطة الولاءات في اليمن.
ذمار على مفترق طرق
اليوم، تقف ذمار على مفترق طرق خطير. فإما أن تنجح قيادات القبائل والمجتمع المحلي في احتواء الفتنة قبل أن تستفحل، أو أن تتحول المحافظة إلى بؤرة لهب قبلي قد يُشعل نارًا لا يُعرف مداها. وفي كلا الحالتين، فإن صورة الحوثي كسلطة مستقرة وموحّدة بدأت تتهاوى أمام واقع ميداني يكشف عن هشاشة بنيتها الداخلية، وانفصالها المتزايد عن الشارع الذي كانت تدّعي تمثيله.