الجمعة 23 مايو 2025 07:37 مـ 26 ذو القعدة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

بين اللعن والتحريف: لماذا شوه اليهود أنبياء الله؟

الجمعة 23 مايو 2025 04:32 مـ 26 ذو القعدة 1446 هـ

في الوقت الذي يُقدّس فيه المسلمون كل أنبياء الله، ويجلّونهم ويؤمنون بعصمتهم في البلاغ والسلوك، نجد أن صورة الأنبياء في كتب بني إسرائيل المحرّفة (التوراة وأسفار الأنبياء) تتسم بتشويهٍ متعمّد، وإسقاطات أخلاقية خطيرة، تنسب إليهم ما لا يجوز نسبته لعامة المؤمنين، فضلاً عن صفوة الخلق.

فما سرّ هذا التحريف؟ ولماذا اختار اليهود الإساءة إلى أعظم رموزهم الدينية

لعنٌ إلهي… وردّ فعل شيطاني

قال تعالى: “لُعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داوود وعيسى ابن مريم، ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون” [المائدة: 78].

لقد أصدر داوود وعيسى عليهما السلام – بوحي من الله – لعنةً صريحة على بني إسرائيل، بسبب تماديهم في الكفر والفساد، وتركهم للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وكان من الطبيعي أن يقابل الملعونون ذلك بـردّ فعلٍ عنيف، لا يظهر كرفض مباشر فقط، بل بمحاولة تشويه صورة من لعنهم: الأنبياء أنفسهم.

تحريف ممنهج لصورة الأنبياء

إليك أبرز النماذج لما ورد في كتبهم:

1. داوود عليه السلام
• يُتهم في “سفر صموئيل” بالزنى مع امرأة أوريا الحثي، ثم بتدبير قتل زوجها ليستر فعلته!
• وهذا يضرب جوهر نبوته وعدله.

2. لوط عليه السلام
• يُقال في “سفر التكوين” إنه سكر وزنى بابنتيه، وهي واحدة من أقذر الروايات في كتبهم.
• وكأنهم يسقطون فسادهم الجنسي التاريخي على نبي الله الطاهر.

3. يعقوب عليه السلام
• يُصور على أنه مخادع لوالده إسحاق، وسارق لبركة أخيه.
• هذا يُمهد لفكرة أن “الخداع من صفات المؤمن”، وهو ما يناقض الحق تمامًا.

4. سليمان عليه السلام
• يُقال في “سفر الملوك” إنه عبد الأصنام في آخر عمره!
• رغم أن القرآن مدحه بحكمة لم تُعطَ لأحد غيره.

5. عيسى عليه السلام
• صلبوه في زعمهم، وقالوا: “إنه ابن زنا”، واتهموا مريم بالبهتان.
• ثم جاء النصارى من بعدهم فجعلوه إلهًا يُعبد، فجمعوا بين التكذيب والتأليه.

يونس عليه السلام: تشويه نبي آمن به قومه

سيدنا يونس (يونان) له قصة عظيمة في القرآن، حيث تاب قومه فآمنوا، ونجّاه الله من بطن الحوت حين قال: “لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين”.

لكن في سفر يونان:
• يُصور كنبي جبان يهرب من دعوة ربه!
• ثم يغضب عندما تاب أهل نينوى ويطلب الموت!
• ويتكلم مع الله بخشونة ويعاتبه على رحمته!

هذا التشويه يُقدّم النبي ككائن متقلب، ناقم، بلا رحمة، ويخدم فكرة أن الأنبياء ليسوا قدوة، بل أدوات في قصة بشرية لا قدسية فيها.

لماذا فعلوا ذلك؟

أ. تبرير فسادهم

حين يظهر الأنبياء كزناة وسكّارى وخونة، يصبح الفساد مبررًا، بل موروثًا.

ب. إسقاط رمزي للتخلص من سلطة الأنبياء

الأنبياء فضحوا سلوك الأحبار والكهنة، فشوهوا صورتهم لينزعوا سلطتهم الرمزية.

ج. غرس فكرة التفوق القومي

حين يُحطّم النموذج الأخلاقي، لا يبقى إلا “نحن الشعب المختار” معيارًا للحق.

موقف الإسلام: إعادة الاعتبار
• في الإسلام، الأنبياء معصومون في البلاغ والسلوك.
• لا يُنسب إليهم كذب، ولا زنا، ولا خيانة، ولا كفر.
• بل وصفهم الله بقوله: “أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده” [الأنعام: 90].

والنبي محمد صلى الله عليه وسلم نهى عن الانتقاص من أي نبي، وقال:

“لا تفضلوني على يونس بن متى”
في قمة التواضع، والتقدير المشترك لمقام النبوة..

خاتمة: من يلعن الحق، يشوه أهله

لقد لُعن بنو إسرائيل لأنهم كفروا، فشوهوا من لعنهم. لكن ذلك لم يُسقط الأنبياء، بل كشف مدى عمق حقدهم وانحرافهم.

وفي زمنٍ يزداد فيه الطعن في الأنبياء عبر الإعلام والفن والسخرية، يعود القرآن ليذكّرنا بأن:
“إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذابًا مهينًا” [الأحزاب: 57].