السبت 28 يونيو 2025 06:12 مـ 3 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

كابوس الرياضيات.. حكاية طالب ذكي يعانق الفشل قبل أن ينتصر

السبت 28 يونيو 2025 02:56 مـ 3 محرّم 1447 هـ

حين نظرت إلى ورقة امتحان الرياضيات التي وضعها المشرف أمامي فوجئت بأنها ليست امتحانا في مادة الرياضيات وإنما رموزا وطلاسم غريبة وإشارات عجيبة مبهمة. فكيف أحلها؟!

لقد ظننت أن من وضعوا الامتحان لم ينقلوا من كتاب الرياضيات وإنما أخطأوا ونقلوا أسئلة الامتحان من كتاب "شمس المعارف" الشهير في الشعوذة والسحر.!

العجيب أن الطلاب من حولي انهمكوا يجيبون عن أسئلة الامتحان الوزاري بنهاية الثانوية العامة وكأنهم قد ذاكروا كتاب " شمس المعارف" وأنا لا أعلم.!

وكي لا أقف مكتوف الأيادي ويشمت بي الأعداء _ قصدي بعض الزملاء_ بدأت بكتابة الأسئلة، أكتب وأحسن خطي لعل وعسى من يصحح الأوراق يكون من محبي الخط العربي فيضع لي بعض الدرجات تقديرا لخطي الحلو.!

كتبت الاسئلة ووضع مساحات الإجابة فارغة كأنها صحراء جرداء.!

ثم سألت نفسي:

_ طيب والإجابة؟!

_ الإجابة على الله يسهلها من عنده.

لقد بقيت أنتظر نزول الإلهام علي لأكتب الإجابات.!

انتظرت انتظرت وطال انتظاري ولكن دون جدوى.!

كنت قد تعقدت من مادة الرياضيات عقدة أبو أسد، كرهتها، وكرهت بسببها المدرسة، لدرجة أنني كنت أتمنى أن أصحو فأجد هذه المادة قد ألغيت، أو المدرسة بكلها قد شلها سيل العرم وجعلها أثرا بعد عين فنتخلص من هم ثقيل وكابوس طويل.!

كنا ننظر للامتحان الوزاري بخوف ورهبة كأننا جنود من المستجدين سيزج بنا في معركة مع عدو يفوقنا عددا وعتادا.!

تأتي الأسئلة من الوزارة ولجان مراقبة صارمة، وفي ذلك اليوم انتظرت هطول الإلهام علي لكنها أجدبت وخاصمني الإلهام وعصلج معي، وتغلقت علي من كل جهة فغشاني العرق وهجم علي القلق حتى أنني أصبت بصداع حاد.

الوقت يمضي وأنا كمن يقترب موعد إعدامه، فمي جاف ولساني يابسة كأنه خشبة جافة، والوقت يمضي بينما تزداد تلك الرموز والطلاسم التي في الورقة غموضا وانغلاقا.!

.. ومع هذا فقد تعاملت مع الامتحان وكأنه مادة تعبير فعبرت عن شعوري وأعربت عن قلقي كأنني الأمين العام للأمم المتحدة، وكتبت أجوبة من باب: حظ يا نصيب يا صابت يا خابت.!

اجتهدت وملئت ورقة الامتحان بما اعتقدت أنه الحل مع أنني على يقين أنه خطأ، لكنني كتبت لعل المصحح يرى جهدي في الكتابة وحسن خطي ويقدر تعبي ويمنحني درجة النجاح 50% كنوع من الاشفاق علي والإعجاب بخطي.!

لقد أيقنت حينها بالرسوب وحزنت على جهد عام كامل من الدراسة فقد كنت أقطع ما يقارب عشرة كيلو متر يوميا مشيا على الأقدام من منزلنا إلى المدرسة البعيدة.!

المهم في نهاية الوقت سلمت الورقة للمشرف ورأيت جهد ومعاناة عام كامل يتبخر أمامي كأنك يا بو زيد ما غزيت.!

لو كنت من الأغبياء لهان الأمر لكنني من الطلاب الأوائل والأذكياء، ودرجاتي في بقية المواد تسعينات. وكنت أحرر مجلة المدرسة وأدير الاذاعة في طابور الصباح، وأتحدث في المهرجانات والمناسبات وأرسل بمقالاتي إلى الصحف لتنشرها ثم أرسب في الرياضيات.!

يا فضيحتاه.!

وكنت طيلة العام أمسك بالكتاب وأحاول تصفية ذهني والتصالح مع الرياضيات وفتح صفحة جديدة معها، إلا إنها خاصمتني وحقدت علي كأنني قتلت جميع أهلها.!

كنت أحاول استيعاب الدروس وحل المسائل ولكن ما فيش فائدة، أجي لها من هنا أو من هنا وهي رأسها وألف سيف مصممة تظل مغلقة علي لا أراها إلا رموزا غامضة وطلاسم غريبة تقف أمامي كحائط صلب يستحيل اختراقه.!

وأحيانا كنت أراها تسخر مني وتخرج لي لسانها ضاحكة علي فأجهش بالبكاء وأرى نفسي ضعيفا قليل الحيلة في مواجهة كابوس الرياضيات المخيف، لقد حفظت الكتاب إلا أنني لم أفهمه وأستوعبه.

كأن إدارة المناهج وضعت هذه المادة للانتقام مني ولأجل تطفيشي من الدراسة.!

وبقدر فرحي بنشر إحدى الصحف المعروفة حينها لأول قصة قصيرة كتبتها في العام 2000م إلا أن خبر رسوبي قد مسح بتلك الفرحة الأرض، لقد شعرت حينها بأنني أهوي من شاهق إلى قعر سحيق، كأن جبلا قد تداعت صخوره فوقي، فكل ما بنيته من سمعة " الطالب الذكي "خلال سنوات قد أنهار في لحظات.

ولا كأن مسعود تسوق.!

في العام التالي أعدت الدراسة لأجل مادة الرياضيات، كانت قصة رسوبي قد اشتهرت في المنطقة، وكان الكل قد تعاطفوا معي، وفي امتحان الرياضيات كان الكل يقولون:

_ ساعدوا العمراني ينجح بالرياضيات.

بل كادوا يقولون:

_ ارحموا عزيز قوم ذل.!

وأدركني الله برحمته حيث تعرفت على مدرس رياضيات متميز قام بتبسيطها لي بأسلوب رائع وسلس حتى بدأت أستوعبتها وأفهمها.

ورغم أني قد استوعبت الكثير من تلك الطلاسم والرموز إلا أن بعض المخاوف كانت ما تزال تسكنني، كما أن أقاربي خافوا أن تعود لي العقدة من الرياضيات فأنسى في قاعة الامتحان كل ما فهمته ولذا فقد أوصوا المدرس المكلف بمراقبتي بأن يساعدني ويتفهم وضعي لكنه تركني أواجه مصيري لوحدي وذهب إلى خطيبته التي كانت هي ايضا تخضع للامتحان في القاعة الأخرى.!

وكأن لسان حاله:

_ أنا لي خطيبتي وللعمراني ربا ينجيه من الرياضيات.!

في ذلك اليوم الذي لا أنساه قرأت الأسئلة بكل اطمئنان ثم ارتشفت جرعة ماء وهدأت وتعوذت من الشيطان وبسملت وبدأت بكتابة الأسئلة حتى أكملتها ثم عدت للسؤال الأول وقرأته بهدوء ثم أجبت عليه، ثم أجبت على السؤال الثاني والثالث وهكذا لم تمض ساعة حتى أكملت الإجابات كلها وشعرت بأنني أزحت الجبل الثقيل من صدري وتخلصت من أسوأ كابوس لازمني لعامين متتاليين.

أعيدت عندي.

بعد أن تأكدت من نجاحي بتفوق في الرياضيات سلمت الورقة للمشرف ثم خرجت من القاعة كأنني سجين أودع في السجن القاسي ظلما ثم غادره مرفوع الرأس أخيرا وبيده صك براءته.!

لقد تخلصت من كابوس الرياضيات وإلى الأبد.