الجمعة 4 يوليو 2025 03:24 مـ 9 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

الشيخ حنتوس… نبراس في درب التحرير

الجمعة 4 يوليو 2025 09:18 صـ 9 محرّم 1447 هـ


في زمن يتهاوى فيه الضمير الإنساني تحت ضربات الاستبداد، ينهض بيننا رجال مسنون بقلوب فتية، يعلمون الأجيال حروف البطولة والشجاعة، ويشعلون في عتمة الطغيان شموع الوعي، هكذا الشيخ الشهيد صالح حنتوس، السبعيني الوقور، صوت القرآن الذي أقلق الكهنوت، وأربك مليشيات الموت والبارود.

حمل بندقيتة لدفع الظلم، إلى جوار المصحف بين يديه، وردد على مسامع أطفال ريمة آيات الحق والعدل والحرية، وللكبار معاني البسالة ومقاومة الطغيان، ولأنه رفض خرافة "الحق الإلهي" التي تقتات عليها مليشيا الحوثي، اعتدوا على منزله بمختلف الأسلحة بقسوة لا تليق بغير الجبناء.

إنها جريمة مركبة تضاف إلى سجل مليشيا الحوثي الدموي من قتل خارج نطاق القانون، واضطهاد ديني، انتهاك حرمة المساكن، حصار وتجويع، اعتداء على نساء وأطفال محميين بموجب القانون الدولي الانساني، وللمادتين 18 و19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تضمن حرية المعتقد والرأي، وصون كرامة الإنسان في حياته وموته.

إن الشيخ حنتوس كان يعلمهم القرآن، فارتعدت مليشيات الارهاب الحوثية، تماما كما ارتعدت أمام كلمة حمدي المكحل في إب وغيره من الأبطال المقاومين في كل محافظات اليمن، وقبلهم أبطال وثوار سبتمبر الذين أبوا إلا أن يكونوا صدى لثورة حررت اليمن من كابوس الإمامة، لتعود الإمامة اليوم بوجه أكثر قبحاً وظلامية.

يقول مصطفى حجازي في كتابه في الإنسان المقهور "حين يغلق الطغيان كل منافذ الأمل، يصبح الصمت مقاومة، وتصبح الكلمة تمردا"، وهو ما يتجسد من توقد روح النضال اليوم، وتتوهم مليشيات الحوثي أن قتل المدنيين والشيوخ والنساء سيرغم اليمنيين على الخنوع، لكن دماء حنتوس وكل شهداء الحرية تسقي شجرة الحرية و الرفض، شجرة جذورها في صرخة سبتمبر، وأغصانها ستمتد إلى كل قرية ومدينة وسهل وجبل في اليمن.

بالرغم من ارتكاب مليشيا الحوثي ضد الشيخ وأسرته جرائم حرب متكاملة الأركان، قتل عمد خارج نطاق القضاء بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وحصارهم وتجويعهم، وترويع النساء والأطفال وإصابتهم عمدا، وقصف المنازل وخزانات المياه بهدف إذلالهم، وممارسة الاضطهاد الديني والثقافي بحرمان المواطنين من حرية العبادة والتعليم، والتي ترقى إلى جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية، مع ذلك، لن يفلح المجرمون القتلة في كسر روح وإرادة مقاومة الشعب اليمني الذي يدفع فاتورة التضحية بثمن باهظ.

الملحمة البطولية للشيخ حنتوس، تعلمنا جميعا أن الحرية ليست شعارا بل تضحية، أن تظل مرفوع الرأس وأنت تدرك أن الطغيان يحوم حولك، ذلك درس لا يدرس في الجامعات، بل يكتب بالدمع والدم.

إن ما وصفه حجازي في الإنسان المهدور عن "سياسة الإلغاء الوجودي" تجسد اليوم في هذه الانتهاكات الحوثية، مصادرة الحق في الحياة، والهوية، والكرامة، والأمل، لكن حنتوس وأمثاله يثبتون أن الإنسان اليمني لا يلغى، وأن البذرة التي غرسها الجمهوريون الأوائل ستنبت مجددا مهما اشتد ظلام الكهنوت.

إن دماء حنتوس اليوم تطرق أبواب الضمائر، لتقول إن الكرامة لا تشترى، وإن الحرية لا تُوهب، وإن الصمت على القهر جريمة موازية لارتكابه.

إن الواجب القانوني والإنساني والأخلاقي يفرض، توثيق هذه الجرائم وتقديم ملفاتها إلى المحاكم الوطنية والدولية، وملاحقة الجناة والمتورطين في الجريمة، وعدم السماح للإفلات من العقاب، وفضح ممارسات القهر والتجويع والإذلال التي تستخدمها المليشيا كسلاح حرب.

لكن ما هو أهم من التوثيق هو استمرار المقاومة الشعبية والرفض المجتمعي لسياسة القهر والقمع الحوثية، وأن نتحول جميعا إلى أصوات حرة، ودروع للكرامة، وإلى شواهد على أن هذا الوطن لا ينكسر.

سيقول التاريخ يوما إن في ريمة، قرية صغيرة احتضنت شيخا علّم القرآن، فاستشهد وهو يواجه آلة الحقد الحوثية ارتقى وهو يدافع عن الوطن، وإن في كل ركن من اليمن، قلوبا رفضت الانحناء، ومهما طال ليل الإمامة سينجلي، ومهما اشتد القهر سيولد من رحم الجرح أمل عنيد.

الشيخ حنتوس كان فردا، وصار اليوم أمة، صار درسا، وصار وصية أن اليمن ستظل جمهورية حرة، ديمقراطية، تحكمها إرادة الناس، لا خرافة "الحق الإلهي".

*مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة

موضوعات متعلقة