”من يافع إلى البيضاء إلى ذمار: خريطة تجارية سرية تغذي الحوثيين و تتحدى الدولة”

في تطور لافت يُعيد فتح ملف التسريبات التجارية والاقتصادية في مناطق الجنوب اليمني، كشف مواطنون من مديرية يافع بمحافظة أبين عن استمرار عملية نقل كميات كبيرة من أسطوانات الغاز المسال من مناطق الجنوب إلى مناطق سيطرة جماعة الحوثي في وسط وشمال اليمن، وذلك بشكل علني ومستمر منذ أشهر.
وأكد عدد من السكان والتجار المحليين أن ما يُروّج له من "تهريب" للغاز لا يعكس حقيقة ما يحدث، مشيرين إلى أن النشاط لا يتم سراً أو ليلاً، بل هو عملية نقل جهاراً نهاراً، وبصورة منظمة ومنسقة، عبر طرق بريّة محددة تبدأ من مناطق التجميع في الحد (بمحافظة أبين)، وتمر عبر البيضاء، لتصل إلى ذمار، وهي من المحافظات التي تقع تحت سيطرة جماعة الحوثي.
وأوضح المواطنون أن أكثر من 3000 أسطوانة غاز تُنقل يومياً من مناطق الجنوب إلى مناطق الحوثيين، في عملية يُعتقد أنها تتم بتسهيلات من جهات محلية وتجارية، وربما أمنية، مشيرين إلى أن أحد كبار التجار في المنطقة قد وفّر أسطولاً من الشاحنات الصغيرة والمتوسطة، كل منها تحمل ما بين 5 إلى 10 أطنان من الغاز، بدلاً من استخدام المقطورات الكبيرة التي تلفت الانتباه.
وأضافوا أن هذا التحول في وسيلة النقل يُعد محاولة لتمويه العملية، من خلال تفتيت الكميات ونقلها عبر سيارات متعددة، ما يقلل من احتمالية التفتيش أو التعرض للإيقاف، خصوصاً في النقاط الأمنية أو على الحواجز العسكرية.
وأثار هذا التدفق المستمر للغاز مخاوف كبيرة لدى السكان المحليين، الذين يعانون أصلاً من نقص حاد في مادة الغاز المنزلي، وارتفاع أسعارها بشكل كبير، في وقت تُرى فيه شاحنات تنقل نفس المادة باتجاه مناطق بعيدة تخضع لسيطرة جماعة الحوثي.
وتساءل العديد من المواطنين: "كيف يُمكن أن تُنقل آلاف الأسطوانات يومياً إلى مناطق النزاع، في حين يعاني أبناء يافع وأبين من شح في هذه المادة الأساسية؟"، مشيرين إلى أن هذا التناقض يُظهر وجود شبكة تجارية منظمة تستفيد من الأزمة الإنسانية والاقتصادية، وتُوظفها لتحقيق أرباح طائلة على حساب المواطنين.
وأكد مراقبون اقتصاديون أن هذه العمليات تُعد ضربة موجعة للاقتصاد المحلي، وتُسهم في تفاقم الأزمة المعيشية في الجنوب، في ظل غياب الرقابة الفعّالة وغياب خطط توزيع عادلة للمواد الأساسية.
ودعا ناشطون وشخصيات اجتماعية إلى فتح تحقيق عاجل في هذه التسريبات، ومحاسبة المتورطين، سواء من التجار أو الجهات التي تُسهّل هذه النقلات عبر مناطق سيطرتها، محذرين من أن استمرار هذه الظاهرة قد يُشعل استياء شعبياً واسعاً في ظل تردي الأوضاع المعيشية.
في المقابل، لم تُصدر أي جهة رسمية في الحكومة اليمنية أو في الإدارة المحلية بمحافظة أبين بياناً رسمياً يوضح حقيقة هذه الادعاءات أو يُعلن عن إجراءات رقابية لوقف هذه النقلات.
ويُنظر إلى هذه التسريبات على أنها جزء من شبكة أوسع من التبادلات التجارية غير المشروعة التي تجري بين مناطق النزاع، والتي تُغذي الاقتصاد الموازي، وتعمل على تقويض جهود الدولة في استعادة السيطرة على الموارد والتجارة في مناطق الجنوب.