إسبانيا تُفَكِّك شبكة دولية لتهريب المهاجرين عبر جوازات سفر مزيفة إلى بريطانيا وكندا

– أعلنت الشرطة الوطنية الإسبانية، يوم الاثنين، عن تفكيك شبكة إجرامية دولية متخصصة في تهريب عشرات المهاجرين، معظمهم من مواطني اليمن، إلى المملكة المتحدة وكندا، باستخدام وثائق سفر مزورة، في عملية أمنية واسعة كشفت عن أبعاد خطيرة لاستغلال الجريمة المنظمة لأحلام المهاجرين اليائسين.
وأوضح بيان صادر عن وزارة الداخلية الإسبانية أن الشبكة الإجرامية كانت تُنظّم رحلات غير قانونية للمهاجرين عبر مسار معقد ومحسوب بدقة، يبدأ بتهريبهم إلى اليونان، حيث يتم تسجيلهم كلاجئين، ما يمنحهم صفة قانونية مؤقتة تتيح لهم التنقل داخل أوروبا. من هناك، توجّه الشبكة المهاجرين إلى مطارات في دول أوروبية مختلفة، حيث تُزوّدهم بجوازات سفر مزيفة، تُستخدم لحجز رحلات جوية إلى بريطانيا وكندا، مقابل مبالغ مالية تصل إلى نحو 3 آلاف يورو لكل مهاجر.
وكشفت التحقيقات أن الشبكة نجحت في تنفيذ أكثر من 40 عملية تهريب عبر هذه الطريقة قبل أن تُكتشف وتُقَصَّ أذرعها. وتشير المعلومات إلى أن بداية التحقيق تعود إلى تحذيرات وردت من السلطات الكندية، التي لاحظت تدفقاً غير معتاد من مواطنين يمنيين يدخلون البلاد عبر رحلات جوية من مطارات إسبانية، ما أثار الشكوك حول تورط شبكة تهريب منظمة.
وأكدت الشرطة أن التحقيقات استمرت لعدة أشهر، واعتمدت على تحليل حجوزات الطيران المشبوهة، وتتبع التحويلات المالية عبر حسابات بنكية متعددة، بالإضافة إلى مراجعة وتحليل لقطات كاميرات المراقبة في المطارات، خاصة في مطارات مدريد وبرشلونة وبلباو، حيث تم رصد تحركات المشتبه بهم.
في سلسلة من المداهمات المنسقة، نفذت قوات الأمن الإسبانية عمليات تفتيش واعتقالات في العاصمة مدريد ومناطق شمال البلاد، أسفرت عن القبض على 11 شخصاً يُشتبه بانتمائهم إلى الشبكة، بينهم ما يُعتقد أنه الزعيم المركزي للتنظيم، الذي كان يدير العمليات من خلف الكواليس عبر هواتف مشفرة وشبكات اتصال معقدة.
وشهد التحقيق تعاوناً أمنياً دولياً واسعاً، حيث شاركت أجهزة أمنية من المملكة المتحدة، وألمانيا، وأيرلندا، وسويسرا، وفنلندا، والنمسا، في تبادل المعلومات والاستخبارات. وبرز دور محوري لوكالة الشرطة الأوروبية (يوروبول)، التي تولت تحليل البيانات المأخوذة من هواتف الموقوفين، بما في ذلك رسائل مشفرة وسجلات اتصالات، مما ساعد في كشف البنية التحتية للشبكة وتحديد هويات متورطين في دول متعددة.
وأكد مسؤولون أمنيون أن هذه الشبكة كانت تمثل تهديداً أمنياً عابراً للحدود، لا يقتصر على تهريب البشر فحسب، بل يمتد إلى تزوير وثائق رسمية، والتحايل على أنظمة الهجرة، وتمكين أفراد من دخول دول غربية بطرق غير مشروعة، ما يشكل ثغرة محتملة في الأمن القومي.
وتأتي هذه العملية في سياق متصاعد من تفكيك شبكات الجريمة المنظمة التي تستغل الأزمات الإنسية، لا سيما في اليمن، الذي يعيش منذ سنوات على وقع حرب أهلية طاحنة، دفعت بآلاف المدنيين إلى مغادرة بلادهم بحثاً عن الأمان والحياة الكريمة. ويشير المراقبون إلى أن هذه الشبكات تحوّل معاناة المهاجرين إلى سلعة تُباع وتشترى، مستفيدة من اليأس وانعدام الخيارات.
وأكدت السلطات الإسبانية عزمها على مواصلة التعاون مع الشركاء الأوروبيين والدوليين لمكافحة تهريب البشر، داعيةً إلى تعزيز آليات الرقابة على حركة السفر، وتحسين أنظمة التحقق من وثائق الهوية، لسد الثغرات التي تستغلها العصابات.
وتجري حالياً تحقيقات موسعة مع الموقوفين، بينما تدرس النيابة العامة الإسبانية توجيه تهم تتعلق بالاتجار بالبشر، وتزوير وثائق رسمية، والانتماء إلى عصابة إجرامية منظمة، قد تُعاقب بالسجن لفترات طويلة في حال الإدانة.
تُعد هذه العملية نموذجاً لنجاح التعاون الأمني الدولي في مواجهة التهديدات العابرة للحدود، كما تُذكّر بضرورة معالجة جذور ظاهرة الهجرة غير الشرعية، من خلال دعم الحلول السياسية في مناطق النزاع، وتقديم قنوات قانونية وآمنة للهجرة، لمنع وقوع المهاجرين في فخّ المهربين.