من صنعاء إلى أمريكا: الفَحْسَة اليمنية تُحقق نجاحًا عالميًا في قلب نيويورك

وسط زحمة المطاعم العالمية في مدينة نيويورك، حيث تتنافس المأكولات من كل بقعة على الخريطة، برز مطعم صغير لكنه مميز: "يمنات". ليس فقط كمطعم يمني جديد، بل كتجربة ثقافية ناجحة نجحت في جذب أنظار النقاد والزوار، وجعلت من الفَحْسَة اليمنية – الطبق الشعبي الأصيل – حديث المدينة.
في حي "مانهاتن"، حيث يُقاس نجاح المطعم بالأسابيع لا بالسنوات، تمكن "يمنات" من تحقيق إنجاز نادر: الإدراج الرسمي في دليل ميشلان لعام 2025، ليصبح أول مطعم يمني يحظى بهذا الشرف في الولايات المتحدة. والسر؟ نكهة أصيلة، وتقديم متقن، وحب عميق للتراث.
من مطبخ البيت إلى نجاح عالمي
لم يكن لدى مؤسسي مطعم "يمنات" – ثلاثة شبان يمنيين مغتربين – أي خبرة سابقة في مجال المطاعم. كل ما امتلكوه كان شغفهم بالطهي، وذكريات الطفولة مع رائحة الفَحْسَة وهي تتصاعد من المطبخ في بيوت صنعاء وتعز وحضرموت. بدأت الفكرة كمشروع متواضع: طبخ وجبات منزلية على الطريقة اليمنية، دون تغيير أو تكييف مفرط للذوق الغربي.
لكن ما بدأ كمطعم صغير في زقاق هادئ، سرعان ما تحول إلى وجهة لا تُفوّت. بفضل النكهة العميقة، والتقديم الاحترافي، والاهتمام بالتفاصيل، أصبح "يمنات" محط أنظار عشاق الطعام في نيويورك.
"الفَحْسَة" تُذهل ناقد نيويورك تايمز
من بين الأطباق التي قدّمها المطعم، برزت الفَحْسَة باللحم كنجمة لا تُضاهى. وقد وصفها ناقد الطعام في صحيفة نيويورك تايمز بأنها "تجربة طهيّة نادرة"، مشيرًا إلى "التركيب العطري المدهش، والنكهات المتوازنة بين الدخان والتوابل، مع لحم طري يذوب في الفم".
وأضاف:
"الفَحْسَة في يمنات ليست مجرد طبق، بل عمل فني. إنها تعكس فهمًا عميقًا لتقنيات الطهي التراثية، مع لمسة من الإتقان الحديث. إنها واحدة من أكثر الأطباق إثارةً في نيويورك اليوم".
سر النجاح: الأصالة، الجودة، والقدر الحجري
ما يميّز الفَحْسَة في "يمنات" هو التزامها الصارم بالجودة والأصالة. يقول أحد المؤسسين:
"نحرص على استخدام أفضل أنواع اللحوم، والمكونات الطازجة فقط. لا نستخدم مواد حافظة أو نكهات صناعية. كل شيء يُحضّر يدويًا، كما في المطبخ اليمني المنزلي".
ويُطبخ الطبق باستخدام القدر الحجري التقليدي، الذي يُحافظ على الحرارة المتجانسة ويُضفي نكهة دخانية خفيفة، تُكسب الطبق طابعًا فريدًا لا يمكن تقليده. هذه التقنية، التي تُستخدم منذ قرون في البيوت اليمنية، تُعتبر جزءًا أساسيًا من هوية الطبق.
جسر من نكهات بين الثقافات
يُعتبر "يمنات" أكثر من مجرد مكان لتناول الطعام. إنه فضاء ثقافي يُقدّم للمجتمع الأميركي نافذة حيّة على التراث اليمني. الزبائن، من مختلف الجنسيات – أمريكيون، أوروبيون، آسيويون، وحتى زوار من الشرق الأوسط – يتوافدون لتجربة ما وصفوه بـ"انفجار نكهة أصيل".
يقول أحد الزبائن، وهو مهندس من بروكلين:
"جربت مطاعم من كل أنحاء العالم، لكن ما تذوقته هنا مختلف. هناك عمق في الطعم، ودفء في الطبق، كأنك تأكل في بيت جدّي".
ويضيف آخر:
"لا أعرف اليمن جغرافيًا جيدًا، لكن بعد تذوقي للفَحْسَة، أريد أن أزوره. هذا الطعام يحمل قصة".
التحديات والطموحات
رغم النجاح الكبير، يواجه الفريق تحديات في توفير بعض المكونات اليمنية الأصيلة، مثل بهارات "الهيل" و"القرفة" بجودة عالية، أو أعشاب معينة تُستخدم في التتبيلة التقليدية. لكنهم يصرون على استيرادها من مصادر موثوقة، أو البحث عن بدائل طبيعية تحافظ على النكهة الأصلية.
أما الطموحات، فهي تتجاوز نيويورك. يخطط المؤسسون لإطلاق فروع في مدن أخرى مثل لوس أنجلوس وشيكاغو، بل ويفكرون في تنظيم "جولات طهي يمنية" حول الولايات المتحدة، وورش عمل لتعليم المطبخ اليمني، وربما حتى نشر كتاب طهي يوثق وصفات الأجداد.
رسالة من القلب اليمني إلى العالم
نجاح "يمنات" ليس مجرد قصة نجاح تجارية، بل رسالة ثقافية قوية: أن الهوية لا تُفقد بالهجرة، بل يمكن أن تُقدّم كهدية للعالم. الفَحْسَة اليمنية، التي كانت تُطبخ في المطابخ المتواضعة، أصبحت اليوم تُقدّم في واحدة من أكثر المدن تنافسًا في مجال الطعام، وتحظى بتكريم عالمي.
وفي نيويورك، حيث يُقيّم كل طبق بصرامة، نجحت الفَحْسَة اليمنية في أن تُذكّر الجميع بأن الأصالة، عندما تُقدّم بحب وإخلاص، لا يمكن أن تُقاوم.