أحمد عبد ربه العواضي.. البطل الجمهوري الذي تأمروا عليه

تتوهج أسماء لا تموت، وتبقى خالدة في ذاكرة الأحرار، ومن بين هؤلاء في سجل النضال الوطني اليمني، يبرز اسم الشيخ البطل أحمد عبد ربه العواضي، أحد أبرز قادة الثورة اليمنية، ثورة سبتمبر ، الذي جُبل من تراب البطولة، وخُتمت حياته بالشهادة وهو مرفوع الرأس، بعدما تآمرت عليه اياد داخلية نافذة، أرادت أن تُسقط رمزا جمهوريا لا يساوم.
ولد العواضي عام 1925 في قرية البديع، مديرية نعمان، محافظة البيضاء، وبدأت ملامح رجولته المبكرة عندما اُختطف كرهينة للإمام في مدينة حريب 15 عاما، لضمان ولاء قبيلته.
في طفولته انتقل من قريته إلى مدينة (حريب) في محافظة مأرب، و ظل رهينة مدة خمسة عشر عاما لدى عامل الامام لضمان ولاء قبيلته للحكم الإمامي الغاشم، فدرس هناك على يد العلامة (عبدالله صالح دويح).ثم خلفه أخوه الشهيد جونه عبدربه رهينة بعده.تولى مشيخة قبيلته خلفا لأبيه الذي قتل عام 1377هـ/ 1958م في معركة ضد السلطات الإنجليزية.
هناك تلقى العلم، وعايش مرارة الظلم، مما زرع في قلبه كراهية عميقة للاستبداد الإمامي، ليعود لاحقا شيخا وقائدا حمل على عاتقه راية الحرية.
عند قيام ثورة 26 سبتمبر 1962، كان من أوائل من التحقوا بالثوار، وقاد معارك حاسمة ضد الملكيين في البيضاء وحريب والحيمة وأرحب. وكان من أبرز أبطال حصار السبعين على صنعاء عام 1967، حين لبى نداء الجمهورية وساهم بفك الحصار من جهة الحديدة، مجندا قبائل البيضاء وبيحان، وقائدا للحملة العسكرية التي غيرت مجرى المعركة، وهو ما سجله التاريخ بشهادة خصومه قبل رفاقه.
والشاهد لم يكن العواضي قائدا عسكريا فحسب، بل كان مثقفا وفنانا ،محبا للشعر والغناء، نظم قصائد شعبية شهيرة لا تزال تُغنى، مثل: "لا صاحب فرق صاحبه" و "لا تشلوني ولا تطرحوني"، بصوت الفنان الكبير أحمد السنيدار.
هذا الجانب الإنساني العذب كان امتدادا لروح متفردة لا تُكسر.
تقلد مناصب هامة، منها وزيرا لشؤون القبائل، محافظا لصعدة ثم لتعز،و مستشارا لرئيس الجمهورية، لكنه ظل في كل تلك المواقع جمهوري الانتماء، مستقل القرار، حر الكلمة، وهو ما جعله خصما للكثير من مراكز القوى النافذة، خصوصا أولئك الذين أرادوا للجمهورية أن تُختطف على أيدي مشيخات متحالفة مع العسكريين.
في عام 1973، انفجرت الأزمة.
..حادثة بسيطة على طريق تعز ، صنعاء أشعلت نار الفتنة.
ورغم أن العواضي لم يكن هو من أطلق النار، إلا أن الحملة العسكرية تحركت مباشرة لاعتقاله، وتم حصاره في منزله، قبل أن يُؤخذ إلى معتقل قصر السلاح. هناك، حين شعر بالخطر، تمرد وقتل عددا من الجنود، وتحركت القوات الحكومية بالدبابات لتقصف المبنى بأكمله، في مشهد دموي حول القلعة إلى ركام، واستشهد فيه مع نحو 30 من مرافقيه وقبيلته.
القصة مرت سيارة مسرعة من نقطة حزيز على طريق تعز جنوب العاصمة صنعاء، بجانب سيارة العواضي كان محافظا لمحافظة تعز متسببة في قذفه بزخة من الحجارة أدت إلى تهشيم الزجاج الأمامي لسيارته، وإصيب المحافظ فوق عينيه، سارع حراسه بفتح نيران أسلحتهم الرشاشة مجبرين السيارة الأخرى على التوقف. خرج سائق السيارة منها فصوب أحد مرافقي الشيخ العواضي بندقيته نحوه وأرداه قتيلا، وأفرغ ما تبقى من ذخيرة في سلاحه ، في السيارة متسببا في قتل وإصابة أربعة آخرين.
كان من بين من قتلوهم مرافقي العواضي، ضابط في سلاح المدرعات برتبة رائد ، تحركت قوة كبيرة من سلاح المدرعات إلى منزل العواضي في صنعاء في محاولة لإلقاء القبض عليه، تحصن العواضي مع مرافقيه داخل المنزل، ولم يقبل بالخروج إلا بعد وساطه قبلية من كبار المشائخ ، ووافق العواضي على التوجه إلى قلعة عسكرية في شرق العاصمة صنعاء .
في 2 مارس 1973، أعلنت الحكومة رسميا مقتل العواضي، لكنها لم تعلن كيف تم اغتيال الحلم الجمهوري النقي الذي كان يمثله.
وهكذا ..رحل العواضي، لكن بقيت سيرته شمعة تنير تاريخ اليمن الجمهوري، وحكاية رجل لم يبع الثورة، ولم يركع، ولم يخن.
ألا رحم الله البطل السبتمبري، القائد الحر، الشيخ أحمد عبد ربه العواضي.
فلقد سطر مجده، لكن صوته سيبقى يتردد في سماء سبتمبر، قائلا:
"يا ناس اشهدوا بيننا.. والظالم له الظالمين."
تقلد عددا من المناصب منها:
قائدا للحيمتين.
مسؤولا لحملة طريق الحديدة / صنعاء
وزيرا لشؤون القبائل (1383ه/ 1963م).
مستشارا لرئيس الجمهورية المشير السلال عام 1384ه/ 1964م).
محافظا لمحافظة صعدة عام 1389ه / 1969م.
محافظا لمحافظة تعز عام 1391ه/ 1971م.
وكان إلى جانب ميوله العسكرية محبا للشعر والغناء، نظم عدة قصائد باللهجة العامية (البدوية والصنعانية) وتغنى بها الشعب ، وأداها الفنان أحمد السنيدار مثل أغنية (لاتشلوني ولا تطرحوني).
216.73.216.36