الأحد 7 سبتمبر 2025 07:21 مـ 15 ربيع أول 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

”760 إلى 425 في أيام”.. كيف فجّر البنك المركزي ”فقاعة الدولار” في اليمن؟

الأحد 7 سبتمبر 2025 12:03 صـ 15 ربيع أول 1447 هـ
البنك المركزي
البنك المركزي

في تحليل اقتصادي معمق أثار جدلاً واسعًا في الأوساط المالية والسياسية، كشف الخبير الاقتصادي اليمني البارز وحيد الفودعي عن تفاصيل ما وصفه بـ"الفقاعة السعرية" التي شهدها سوق الصرف في اليمن خلال الأشهر الماضية، مشيرًا إلى أن الارتفاع المفاجئ للعملة الأجنبية لم يكن ناتجًا عن توازنات اقتصادية حقيقية، بل كان نتيجة تلاعبات مضاربية وشح في تدفقات النقد الأجنبي.

216.73.216.139

وأوضح الفودعي، في تقرير تحليلي أصدره مساء اليوم السبت، أن مسار سعر صرف الريال اليمني شهد منحنى حادًا تصاعديًا حتى نهاية يوليو 2025، حيث قفز سعر الريال السعودي إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت 760 ريالًا يمنيًا، في حين لم تكن هناك مؤشرات اقتصادية حقيقية تبرر هذا التضخم السعري.

ورأى أن هذه الزيادة كانت "مجرد فقاعة"، نشأت بفعل المضاربات المالية وغياب الرقابة الصارمة، إلى جانب توقف شبه كامل لتدفقات إيرادات النفط، التي تمثل العمود الفقري للاقتصاد الوطني.

"الدبوس الذي فجر الفقاعة": إجراءات البنك المركزي تُعيد ضبط السوق

وأشار الفودعي إلى أن التحوّل الجذري في مسار سعر الصرف جاء بعد تدخل حاسم من البنك المركزي اليمني بالتعاون مع الحكومة، من خلال سلسلة من الإجراءات الاحترازية شملت:

  • تشديد الرقابة على شركات الصرافة.
  • إغلاق عدد من المكاتب المخالفة للأنظمة.
  • تقنين التعامل بالنقد الأجنبي.
  • تشكيل لجنة مركزية لتنظيم عمليات الاستيراد.

ووصف الخبير الاقتصادي هذه الخطوات بأنها "الدبوس" الذي فجّر الفقاعة السعرية، ما أدى إلى انهيار سريع في أسعار العملات الأجنبية، وعودة سعر الريال السعودي إلى نطاق يتراوح بين 425 و428 ريالًا يمنيًا، وهو السعر الذي عزّزه البنك المركزي كنطاق رسمي للتعامل، منهياً بذلك حقبة طويلة من ما عُرف بـ"التعويم الحر" للعملة، والتي استُغلت فيها الفوضى لصالح جهات تمارس التلاعب بالسوق.

مكاسب سياسية وتداعيات اجتماعية واقتصادية

ورغم الإشادة الواسعة التي حظيت بها هذه الخطوة من قبل الرأي العام، واعتبارها "انفراجة اقتصادية" أعادت بعض التفاؤل للمواطنين، إلا أن الفودعي حذر من "الثمن الباهظ" الذي دُفع من أجل هذا الاستقرار. وأوضح أن انهيار السوق المفاجئ ألحق أضرارًا فادحة بشريحة واسعة من السكان، قد تصل إلى نصف السكان، خصوصًا:

  • المغتربون اليمنيون الذين اشتروا العملة الأجنبية بأسعار مرتفعة قبل الانهيار.
  • الأسر التي ادخرت بالعملة الصعبة استعدادًا لاحتياجات مستقبلية.
  • التجار الصغار الذين تأثروا بالتقلبات الحادة.

كما لفت إلى أن هذا التصحيح السعري أثر سلبًا على الإيرادات الحكومية بالعملة المحلية، نظرًا لتراجع حجم المعاملات والنشاط التجاري في ظل حالة الشلل التي سادت السوق خلال مرحلة الاضطراب.

هل السعر الجديد "توازني"؟ تحذيرات من تقلبات مستقبلية

ورغم اعتبار الفودعي أن السعر الجديد (425–428) يُقارب "السعر التوازني" من الناحية النظرية، إلا أنه أكد أن هذا التوازن هش، وعرضة للتذبذب بسبب:

  • العوامل الموسمية (كمواسم الحج والاستيراد).
  • الضغوط البنيوية المستمرة على الاقتصاد.
  • تواصل توقف إيرادات النفط.
  • التحديات الأمنية والسياسية.

وأضاف: "ما لم تُستأنف تدفقات النقد الأجنبي من خلال استئناف تصدير النفط أو الحصول على دعم خارجي كبير، فإننا نسير نحو موجة جديدة من الارتفاع التدريجي في أسعار الصرف، قد تبدأ مطلع العام القادم".

"يومي النكبة" و"المضاربة العكسية": تحذير من مخاطر سياسية على السوق

وفي تفصيل لافت، تناول الفودعي ما وصفه بـ"يومي النكبة"، في إشارة إلى اليومين السابقين للتدخل المركزي، حيث شهد السوق انهيارًا حادًا في سعر العملة المحلية، نتج – بحسب تحليله – عن مضاربة عكسية نفذتها جهات – لم يسمها صراحة، لكنه ألمح إلى مليشيات الحوثي – بهدف إحراج البنك المركزي وإظهاره كجهة غير قادرة على ضبط السوق.

وأكد أن هذه المحاولة كانت "ذات أبعاد سياسية أكثر من كونها اقتصادية"، مضيفًا: "الضغط المتعمد على السيولة، وتضخيم الطلب الظاهري على العملة الأجنبية، كان وسيلة لإحداث حالة من الفوضى، تُستخدم لاحقًا كذريعة للتدخل السياسي في الشأن المالي".

تحذير من "تثبيت اصطناعي" للسعر

وحذر الفودعي من أن أي محاولة لدفع السوق إلى مستويات أدنى من السعر الحالي – كأن يُفرض سعر 350 أو حتى 300 ريال للريال السعودي – ستكون "كارثية"، وستُهدد الاستقرار النقدي الشامل، مشيرًا إلى أن مثل هذه الخطوة ستشجع على السوق السوداء، وستُفقد الثقة في القرار المركزي، بل قد تُعيد إنتاج نفس الفقاعة التي تم تفجيرها.

الإصلاحات الشاملة مطلب حتمي للاستقرار الدائم

وفي ختام تحليله، أكد الفودعي أن استقرار سعر الصرف لا يمكن أن يتحقق عبر إجراءات ترقيعية أو تدخلات لحظية، بل يتطلب:

  • تكاتف حقيقي بين الحكومة والبنك المركزي والقطاع الخاص.
  • إصلاحات هيكلية في إدارة الاقتصاد.
  • إعادة تشغيل قطاع النفط وتعزيز الشفافية في إدارة الإيرادات.
  • تعزيز الاحتياطي النقدي من خلال دعم خارجي مُرافق لضوابط صارمة.

"قرار حكيم" يُجنب السوق مزيدًا من التلاعب

وأشاد الفودعي بقرار البنك المركزي بتحويل مشتريات البنوك والصرافين خلال يومي الاضطراب إلى خزائنه مباشرة، واصفًا القرار بأنه "حكيم وشجاع"، لأنه حال دون تحقيق مكاسب غير مشروعة للمضاربين، وحدّ من استغلال المواطنين في ظل الحاجة الماسة للنقد.

لكن الخبير الاقتصادي لم يُخفِ الجانب الإنساني، معتبرًا أن القرار، وإن كان ضروريًا من الناحية الاقتصادية، كان "مؤلمًا" لكثير من المواطنين الذين اضطروا لبيع مدخراتهم بأسعار منخفضة تحت ضغط الحاجة.