الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 03:34 مـ 22 ربيع آخر 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

بين المناطقية المدمرة والاعتزاز بالانتماء

الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 03:09 مـ 22 ربيع آخر 1447 هـ
بين المناطقية المدمرة والاعتزاز بالانتماء

تظل الموازنة بين رفض المناطقية المدمرة والاعتزاز بالانتماء إلى الأرض معادلة شائكة ومعقدة. فمن ناحية، يتطلب ضبط الخطاب مراعاة التأثيرات بعيدة المدى، ومن ناحية أخرى، يواجه تصاعد مشاعر الانتماء المحلي لمدينة أو قرية، والذي غالبًا ما يكون نتيجة تشظي الوطن الكبير ومرضه المزمن. في هذا السياق، يصعب الخروج سالمًا من الاتهامات، خاصة من أولئك الذين أصيبوا بـ"مرض التفسيرات اللاعقلانية"، الذين يميلون إلى تبسيط القضايا المعقدة أو تحميلها أكثر مما تستحق.

المعادلة ليست سهلة، لكنها ضرورية في ظل حالة التحشيد والتحشيد المضاد التي تشهدها الساحة اليمنية. فهناك ظلم وإجحاف عانته العديد من المناطق اليمنية، إلى جانب تسلط جغرافي لبعض المناطق على حساب أخرى. عند تصويب الخطاب حول هذه القضية الحساسة، يصبح من الضروري نبش التراث الثقافي والتاريخي، وطرح أسئلة جوهرية: من أين جاءت هذه الانقسامات؟ وكيف نشأت؟ وما أسبابها؟ بل الأهم، من المستفيد من استمرارها؟

الإمامة وإذكاء الصراع المناطقي
تاريخيًا، لعبت الإمامة دورًا مدمرًا في تمزيق النسيج الاجتماعي اليمني من خلال إذكاء الصراعات المناطقية. فقد عملت على تعميق الانقسامات الجغرافية والاجتماعية لتثبيت نفوذها، مستغلة الخصوصيات المحلية لخلق إقطاعيات مذهبية تخدم مصالحها السلالية. ومن أخطر فخاخ هذا المشروع مصطلح "الجغرافيا الزيدية"، الذي يردده البعض -حتى من الأحرار- دون وعي بمخاطره. هذا المصطلح ليس مجرد وصف جغرافي، بل أداة سياسية تهدف إلى تحويل مناطق بأكملها إلى إقطاعيات مذهبية، مما يعزز الانقسام ويضعف الوحدة الوطنية. إن تكرار هذا المصطلح، حتى من قبل من يدافعون عن الجمهورية، يشكل كارثة بحد ذاتها، لأنه يمنح الشرعية لمشروع سلالي يسعى لاستعباد اليمنيين تحت شعارات طائفية.

مؤخرًا، تصاعد خطاب يغذي الهجوم على جغرافيا بعينها بدلاً من نقد فكرة أو ممارسة. هذا، والله، هو الضياع بعينه. فمحاسبة الناس والجغرافيا على أفعال ارتكبتها مراكز نفوذ، تضرر منها أبناء تلك الجغرافيا أنفسهم قبل غيرهم، هو ظلم مضاعف. لقد خاض أبناء هذه المناطق صراعات مريرة ضد مشاريع إمامية مدمرة قبل أن تخوضها مناطق أخرى في اليمن، مما يجعل توجيه اللوم إليهم إسقاطًا غير عادل.

استعادة الدولة: من الهضبة إلى الجمهورية**
إن استعادة الدولة والجمهورية تبدأ من الهضبة، وتحديدًا من تحرير صعدة، كما أشار معالي وزير الأوقاف الشيخ محمد شبيبة في تصريحاته الأخيرة. فصعدة، التي استُهدفت من قبل المشروع الإمامي الإرهابي، تمثل رمزًا للصمود والمقاومة. تحريرها ليس مجرد معركة جغرافية، بل هو الضمان لحماية بقية المناطق اليمنية من هذا المشروع المدمر الذي يهدف إلى استعباد اليمنيين تحت راية السلالية والطائفية. إن استعادة صعدة تعني قطع الجذور التي يتغذى منها هذا المشروع، وبالتالي إعادة بناء الدولة اليمنية على أسس الجمهورية والعدالة.

إن تصويب الخطاب يتطلب شجاعة فكرية وأمانة تاريخية. يجب أن نركز على نقد الأفكار والممارسات، لا الهجوم على الجغرافيا أو الناس. ينبغي أن نعزز الانتماء الوطني الجامع، الذي يحترم الخصوصيات المحلية دون أن يقع في فخ المناطقية. المطلوب هو خطاب يوازن بين الاعتزاز بالهوية المحلية والالتزام بوحدة الوطن، خطاب يعالج الظلم التاريخي ويصحح المسارات دون أن يسقط في دوامة التحشيد أو الإقصاء. وفوق كل ذلك، يجب أن ندرك أن الطريق إلى الجمهورية يمر عبر تحرير صعدة، ليس فقط كجغرافيا، بل كرمز للتحرر من مشروع الإمامة الذي يهدد وحدة اليمن ومستقبله.

216.73.216.162