‘‘الإصلاح’’ والجيش.. من يحكم تعز؟

لنتفق على أسس واضحة للنقاش كي لا نظل في اشتباك صاخب مع المغالطات..
"الإصلاح" حزب سياسي انخرط في القتال تحت مظلة الشرعية، دفاعا عن الوطن والجمهورية ولاستعادة الدولة.. لم يرفع أي رايات أو شعارات خاصة، وقد وجد نفسه مضطرًا لأن يدفع بالكثير من قوامه داخل المؤسسة العسكرية، وتلك كانت تضحية كبرى لا زال يحسبها مناوئوه عليه، لا له؛ وهي تضحية لكون بلادنا كانت قد خسرت جيشها تماما، وكان الإصلاح من أهم القوى الصلبة التي تم الاعتماد عليها في إعادة تجميع القوة وبناء المؤسسة العسكرية. كما وجد الإصلاح نفسه في معارك الدفاع عن الوطن مدفوعا بقلق البقاء كقوة مقاتلة خارج المشروعية، لم يشأ أن يحسب كحالة ميليشاوية مسلحة، من السهل مكاثرة المخاوف حولها لأسباب عديدة معروفة للجميع.
وإذن؛ نحن أمام حزب سياسي اضطر إلى صب معظم قوته وقوامه داخل المؤسسة العسكرية، وهي مؤسسة سيادية تابعة للدولة محكومة بالدستور والقانون واللوائح المنظمة، والقرار فيها لقيادة الدولة ممثلة بالرئيس رشاد العليمي القائد الأعلى، ووزارة الدفاع، ورئاسة الوزراء، وينسحب هذا على المؤسسة الأمنية، والتي تتبع وزارة الداخلية، وبقية السلطات العليا في هرم الدولة.
فلماذا يُستَدعَى الاصلاح في تعز لاتخاذ القرار في كل ما يتعلق بهاتين المؤسستين...؟!
لنتحدث وفق الدستور والقانون، باعتبارهما مرجعيتنا جميعا، وهما الحكم في هذا الخلاف، وكل خلافاتنا الأخرى.
مع كل إنجاز يقال: "الجيش الوطني"، وعند كل إشكال يقال: "الإصلاح هو الجيش"، مادام مدافعا عن المشروعية، وهو "الإصلاح" اذ يراد دفعه خارجا...!!
لماذا يستميت المثقف والباحث والكاتب، في البحث عن "الإصلاح" مع كل حدث، فيما الأيسر له أن يخاطب الدولة، والأطر الرسمية المسؤولة، لإجراء إصلاحات، فهي المعنية والمخولة بذلك؟ لماذا نطالب "الإصلاح"، ولا حجية له كحزب، ولا صلاحيات دستورية وقانونية تمنحه حق التصرف؟
هناك مشكلة في منطلقاتنا ومنظوراتنا وتصوراتنا. تأخذ السجالات طابع التمحك حين لا تقف على أرضية واضحة في التعاطي مع هكذا قضايا...!!
يذهب البعض باتجاه إدانة "الإصلاح" باستمرار؛ مع كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالجيش والأمن؛ بل مع كل أزمة تتعلق بتعز. وهو توجه يركز على "الإصلاح" وحده وكأنه الحاكم الفعلي للمحافظة، وتلك كذبة كبيرة يحاول البعض جعلها مُسَلّمة ويقينا لا تداخله الشكوك.
هل نعاقب "الإصلاح" على مسارعته في التأطر ضمن المؤسسة العسكرية، في حين يتم إغضاء الطرف عن الوجود الميليشاوي المسلح وتشكيلاته الموزعة هنا وهناك؟! بل الأكثر مدعاة للاستغراب: مباركة هذه التكوينات، المؤسسة خارج المشروعية، من قبل كثير من هؤلاء الذين يقفون خلف الجلبة المثارة في تعز اليوم...!!
"الإصلاح" اليوم لم يعد قادرًا على ملء الفراغ الذي تركه في السياسة، وقد رمى بثقله في المؤسسة العسكرية، ولم يعد بمقدوره، دستوريا وقانونيا ومنطقا وبداهة؛ المراهنة على ثقله في الجيش، والحرب عموما.
هذا مسار ضيق، ويُضَيّق خياراته تماما. فأين هي مكاسبه، التي يتداعى مناوئوه لإحصائها، والمطالبة بسلبه إياها؟
ومن يحصي تضحيات "الإصلاح"؟ من يعترف له بآلاف الشهداء والجرحى من قياداته وكوادره؟ من يذكر أنه أكبر الخاسرين في هذه المعادلة، وأن ما يبقيه داعما ومساندا ومستعدا لمزيد من البذل، هي واجباته ومسؤولياته الوطنية...؟!
لماذا لا نرى في كل ما قدم "الإصلاح"، ما يشفع له، حتى حرصه على حماية تلك التضحيات، وما يبديه من قلق المحارب والفادي الكبير إزاء كل استهداف وتبخيس؟
هناك مشكلة حين تسقط القضية الوطنية، ويسقط الخطر الوجودي الكبير من خطاب معارضيه، ليصير هو القضية وهو الخطر المحدق والداهم؟
وسيظلون "يملشنونه" في الجيش، ويؤخونونه في السياسة! مأزق "الإصلاح" الكبير أنه يراد منه أن يكون: المقاتل، والقاتل، والقتيل، والقابض على القتلة، والقاضي، والحكم، والحاكم، والمحكوم عليه...!
مطلوب منه أن يدافع عن نفسه، أمام من يدافع عنهم! وكل ذنبه أنه حمل العبء الأكبر في الحرب، ليعمل مُبغِضوه على محاولة كسره وهزيمته بعبئه هذا الذي حمله عن الجميع!
من حق "الإصلاحيين" أن يشعروا بالتوتر، جرّاء الهجمة التي استهدفتهم على نحو خاص. فما أن لاذ قتلة الشهيدة "افتهان المشهري" بالفرار، حتى اجتمع اصحاب الثأرات والضغائن لملاحقة "الإصلاح"، وللمطالبة بالقصاص منه! وكان من السهل أن يجدوه متلبسا، مختبئا خلف الخطوط الأمامية بالبزة العسكرية، رافعا علم الجمهورية، موجها بندقيته الى قلب مدينته تعز المحاطة بالأعداء، والتي يحامي عنها ويدافع عن كرامتها..
من يحكم تعز؟ هذه القائمة ترد على كل المغالطين.
*يمن شباب نت