لماذا يقف الحجاج في جبل عرفات؟ وما سبب تسميته بهذا الاسم؟

في مشهد إيماني عظيم، يتوالى الحجاج من كل بقاع الدنيا إلى جبل عرفات، حيث يلتقي المسلمون من شتى الأنحاء على صعيد واحد، في مكان واحد وزمان واحد، متجردين بثياب الإحرام، رافعين أيديهم إلى السماء بالتضرع والدعاء، طلبًا للمغفرة والرحمة من الله عز وجل. ويعد الوقوف بعرفات من أهم أركان الحج، الذي لا يتم الحج بدونه، وهو ما ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "الحجُّ عرفةُ، من جاء ليلًا قبل طلوع الفجر فقد أدرك" .
موقع جبل عرفات وتاريخه
يقع جبل عرفات -وهو يُطلق عليه أيضًا "جبل الرحمة"- على بعد نحو 22 كيلومترًا شرق مكة المكرمة، ويحيط به قوس من الجبال، فيما يحيط به من ناحية الغرب وادي "عرنة"، ويقع على الطريق الرابط بين مكة المكرمة والطائف. وتمتد مساحة جبل عرفات على سهل منبسط يتخلله جبل صغير يبلغ ارتفاعه حوالي 300 متر، وفي وسطه يرتفع شاخص طوله 7 أمتار، ويُعد هذا الموقع أحد أكثر الأماكن قدسيةً في الإسلام.
ويُذكر أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم وقف على هذا الجبل العظيم في حجة الوداع، وألقى خطبة تاريخية في وادي عرنة بعد زوال الشمس، وقد صلى الظهر والعصر جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ثم دعا إلى غروب الشمس، ليكون بذلك قدوة للحجاج في أدائهم لهذه المناسك.
مسجد نمرة.. مركز الحدث
في أول عهد الخلافة العباسية، تم بناء مسجد "نمرة" في المكان الذي خطب فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، وهو يُعد الآن من أكبر المساجد في العالم. وبعد توسعات عديدة عبر التاريخ، بلغت مساحته الحالية نحو 124 ألف متر مربع، ويتألف من طابقين مجهزين بأنظمة تبريد ومرافق صحية، ويمكنه استيعاب أكثر من 300 ألف مصلٍ في آنٍ واحد.
ويتوافد الحجاج إلى مسجد نمرة يوم التاسع من ذي الحجة لحضور خطبة الحج التي تُلقى في هذا اليوم العظيم، ومن ثم يؤدون صلاتي الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، ليبدأوا بعدها في الدعاء والتضرع إلى الله، مستحضرين عظمة هذا اليوم، الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم بأنه "أفضل يوم عند الله" .
الوقوف بعرفة.. فرض لا يُؤدى إلا في وقته
قالت لجنة الفتوى بمجمع البحوث الإسلامية إن الوقوف بعرفة هو ركن من أركان الحج، ولا يصح الحج بدونه. ويشترط أن يكون هذا الوقوف في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، وأن يتم داخل حدود عرفة، باستثناء مكان واحد فقط، وهو "بطن عرنة"، حيث نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال: "عرفات كلها موقف إلا بطن عرنة" .
ومن لم يدرك الوقوف بعرفة في وقتها المحدد، فلا يصح منه الحج، ويتحول إلى عمرة، ويُطلب منه الصيام أو التصدق أو الذبح حسب حالته المالية.
فضل يوم عرفة عند الله
ويعد يوم عرفة من أعظم الأيام عند الله تعالى، ويُعد أفضل أيام السنة للدعاء والاستغفار، لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من يوم أكثر من أن يُعتق فيه عبد من النار من يوم عرفة" . ويُعتقد أن الدعاء في هذا اليوم يستجاب بإذن الله، سواء للحاج أو للمسلمين في كل مكان، كما أكدت دار الإفتاء المصرية في أكثر من فتوى سابقة.
كيف يؤدي الحاج مناسك يوم عرفة؟
- يصل الحاج إلى عرفات في صباح اليوم التاسع من ذي الحجة.
- يؤدون صلاتي الظهر والعصر جمع تقديم بأذان واحد وإقامتين، ركعتين ركعتين.
- يقضون النهار في الدعاء والاستغفار، والإكثار من التكبير والتهليل.
- يُستحب أن يكون الدعاء مستقبلاً القبلة، وليس الجبل تحديدًا.
- مع غروب الشمس، يبدأ الحجاج بالإفاضة إلى مزدلفة لأداء صلاتي المغرب والعشاء جمعًا وقصرًا، ثم يبيتون فيها حتى الفجر.
حكم صعود جبل الرحمة
رغم أن بعض الحجاج يصعدون جبل عرفات (جبل الرحمة)، إلا أن العلماء أكدوا أن ذلك ليس من السنن، بل يُفضل أن يبقى الحاج في السهل، حيث كان يقف النبي صلى الله عليه وسلم، إذ قال: "وقفت هاهنا بعرفة، وعرفة كلها موقف" . لذلك، فإن الوقوف في أي مكان ضمن حدود عرفات يجزئ، ولا يشترط الوقوف على الجبل نفسه.
سبب تسمية جبل عرفات بهذا الاسم
يختلف العلماء في سبب تسمية جبل عرفات بهذا الاسم، وهناك عدة أقوال:
- لأنه المكان الذي التقى فيه آدم وحواء بعد نزولهما من الجنة.
- لأن جبريل عليه السلام طاف بإبراهيم عليه السلام قائلاً: "أعرفت؟" فأجاب: "عرفت" ، فسمي المكان بذلك.
- لأن الناس يتعارفون فيه على بعضهم البعض وعلى ربهم، في يوم تتجمع فيه القلوب وتتنزل فيه الرحمة.
- لأن الناس يعترفون فيه بذنوبهم ويطلبون المغفرة.
- أو لأنه اسم مأخوذ من "العرف" أي الطيب والرائحة الزكية، لطيب هوائه رغم كثرة الذبائح في الأيام التالية.
أهمية جبل عرفات في الحج
جبل عرفات هو الركيزة الأساسية لفريضة الحج، فهو المكان الذي يقف فيه المسلمون أمام الله في تواضع وإخبات، ليقرّوا بذنوبهم ويطلبوا العفو والرحمة. وهو اليوم الذي يتجلى فيه عدل الله ورحمته، حيث يغفر لمن تاب وندم وندب إليه.
وفي ظل التوسعات الكبيرة التي تشهدها المشاعر المقدسة، خاصة في مسجد نمرة وجبل عرفات، تحرص السلطات السعودية على توفير كل سبل الراحة للحجاج، من خدمات طبية ومياه وتكييف، لضمان أداء المناسك بكل يسر وسهولة.