الثلاثاء 24 يونيو 2025 01:04 صـ 28 ذو الحجة 1446 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

تصاعد الاحتجاجات في عدن.. الغضب الشعبي يلامس الحدود وسط انهيار الخدمات الأساسية

الإثنين 23 يونيو 2025 11:18 مـ 27 ذو الحجة 1446 هـ
احتجاجات في عدن
احتجاجات في عدن

تشهد العاصمة المؤقتة عدن منذ عدة أيام موجة تصعيد شعبي غير مسبوقة، حيث اتسعت رقعة الاحتجاجات في مختلف أحياء المدينة، تنديدًا بانهيار الخدمات الأساسية، خاصة الكهرباء والغاز المنزلي، في ظل صيف حارق تجاوزت فيه درجات الحرارة 40 درجة مئوية.

وشهدت ساعات انقطاع التيار الكهربائي خلال الأيام الماضية ارتفاعًا جنونيًا، لتصل إلى أكثر من 18 ساعة يوميًا في بعض المناطق، ما حوّل المنازل إلى "أفران" لا تُطاق، خصوصًا للمواطنين من كبار السن والأطفال والمرضى، الذين أصبحوا الأكثر تأثرًا بهذه الأزمة الإنسانية.

احتجاجات غاضبة وقطع طرق رئيسية

في مديريات الشيخ عثمان والمنصورة وأجزاء من دار سعد، شهدت مساء الأحد مظاهرات حاشدة تحولت إلى احتجاجات غاضبة، حيث قام المحتجون بقطع عدد من الشوارع الرئيسية وإشعال الإطارات، اعتراضًا على استمرار تردّي الوضع الكهربائي، ورفضًا لما وصفوه بـ"التقاعس الحكومي المستمر وعدم الجدية في معالجة الأزمة".

ورفع المتظاهرون لافتات حملت رسائل مباشرة للمسؤولين، منها: "أين الكهرباء؟"، و"لا نريد وعوداً جديدة.. نريد حلولاً فعلية"، و"استيقظوا قبل فوات الأوان".

النساء يرفعن الصوت في المعلا

وسط هذا المشهد المتأزم، برز دور النساء في مديرية المعلا، حيث واصلت نساء عدن تنظيم احتجاجات نسوية أسبوعية مستمرة منذ أسابيع، للمطالبة بوقف الانهيار الخدمي الذي تعاني منه المدينة، وسط ارتفاع جنوني في تكاليف المعيشة وانعدام أبسط مقومات الحياة.

واستنكرت إحدى المشاركات في الوقفة النسوية بشدة الوضع القائم، وقالت بصوت مرتفع: "أين تذهب حكومة تعزف على وتر التعافي؟ أبناؤنا مرضى ولا كهرباء ولا مياه ولا غاز.. عدن اليوم تختنق".

وحذّر المتظاهرون من أن المدينة قد تدخل قريبًا في موجة غضب شعبية عارمة لا يمكن احتواؤها، إذا لم يتم التعامل مع هذه الأزمة باعتبارها أولوية وطنية قصوى.

أزمة الغاز المنزلي تتفاقم.. واتهامات بالتهريب

ولم تقف المعاناة عند حدود الكهرباء، بل تفاقمت مع أزمة خانقة في الغاز المنزلي، بعدما أغلقت غالبية محطات التعبئة أبوابها نتيجة عدم وصول الكميات المطلوبة من محافظة مأرب، بسبب احتجاجات قبلية وقطع الطرق من قبل جماعات مسلحة.

ووفق مصادر محلية، فإن الوضع تفاقم بشكل خطير بعد أن تم تهريب كميات كبيرة من الغاز إلى مناطق سيطرة الحوثيين عبر طرق نائية، ما ترك المواطنين العاديين بدون مصدر للطبخ أو التدفئة، واضطر العديد منهم إلى اللجوء لاستخدام الحطب، في مشهد يعكس حالة الرجوع إلى عقود سابقة.

وأشارت تقارير صحفية إلى تورط مسؤولين وقيادات نافذة في تسهيل عمليات التهريب، وتحويل مسار الشحنات إلى أسواق موازية تتحكم بها جماعة الحوثي، التي تواجه بدورها نقصًا حادًا في الغاز المنزلي بعد توقف استيراده عبر ميناء الحديدة، نتيجة الاستهدافات المتكررة وتجميد عدد من شركات النقل الدولية لتعاملاتها مع الجماعة، تحت ضغوط العقوبات الدولية.

تحذيرات من تآكل الثقة في المؤسسات الحكومية

ويحذر مراقبون من أن هذا التواطؤ إن ثبتت صحته، فإنه لا يخدم سوى أهدافًا تخريبية داخلية وخارجية، ويُسهم في خنق المواطن في مناطق الشرعية، كما يضرب في العمق الجهود الحكومية لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع.

وبظل هذا الواقع المرير، زادت التساؤلات حول غياب الدور الحقيقي للحكومة والسلطة المحلية عن الساحة، وسط مطالبات متزايدة بإعلان حالة طوارئ خدمية فورية، واتخاذ إجراءات جذرية لإصلاح قطاعات الكهرباء والطاقة، ومحاسبة المتورطين في تعميق الأزمات.

عدن.. من عاصمة اتحادية إلى مدينة بلا خدمات

لم تبقَ عدن كما كانت، إذ باتت تعيش واقعًا خدميًا كارثيًا لا يليق بمكانتها ولا بما كان يُتوقع منها كعاصمة مؤقتة لدولة اتحادية قادمة. ويشعر السكان بأنهم على حافة الانفجار، ليس بحثًا عن رفاهية أو ترف، بل مجرد الوصول إلى مقومات الحياة الأساسية التي باتت من الماضي.

وفي حال استمرار الحكومة في التعامل مع هذه الأزمات بمنطق الانتظار والتبرير، فقد تتحول الاحتجاجات السلمية إلى مواجهات لا تحمد عقباها، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى استقرار وليس إلى المزيد من الفوضى.