الجمعة 11 يوليو 2025 09:59 صـ 16 محرّم 1447 هـ
المشهد اليمني
رئيس التحرير عبد الرحمن البيل
Embedded Image
×

عقيدة استباحة المخالف في الموروث الزيدي الهادوي

الجمعة 11 يوليو 2025 09:21 صـ 16 محرّم 1447 هـ

يمثل الخطاب الفكري ليحيى بن الحسين الرسي طباطبا – المؤسس الفعلي للمذهب الزيدي الهادوي في اليمن – حجر الأساس لنظام فكري مغلق، يقوم على استعلاء السلالة، وإقصاء المجتمع، واحتكار الدين والسلطة في ذرية بعينها.
وفي هذا المقال، نحلل خطابه كمنظومة أيديولوجية شركية عنصرية تُنتج العنف، وتُفخّم الذات العرقية، وتُقصي المخالفين عقائديا وسياسيا واجتماعيا.

في البداية من الملاحظ أن الرسي لا يستخدم مصطلح "الآخر"، بل يعتمد تعبير "الغير"، كقوله: "يرى غيرنا، وقال غيرنا"، في تعبير مقصود يُكرّس نفي "المساواة العقدية"، ويحوّل المخالف إلى "ضدّ نهائي" منزوع الشرعية.

من هو المخالف في خطاب يحيى الرسي؟
يتأسس تصور الرسي على التمييز الجذري بين "السلالة" بوصفهم الذات المؤمنة المصطفاة، وبين كل من عاداهم أو خالفهم أو لم يؤمن بإمامتهم، بوصفهم المخالف المبغوض والمُستباح. ويتجلى هذا التمييز في ثلاثة محاور رئيسية:
1.الصحابة الذين نازعوا عليا الإمامة، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، يُتّهمون بأخذ ما ليس لهم ويكفرون بأكثر من نص.
2.العلماء والمذاهب الإسلامية خارج "آل البيت" المزعوم، يُقصَون تمامًا من شرعية العلم الديني.

3.عموم المسلمين، ومنهم اليمنيون، يُصنَّفون كخصوم وجوديين تجب محاربتهم، وتُشرعن استباحة دمائهم وأموالهم بدعوى رفضهم للإمامة.
هذه المحددات تُظهر خطابا رسيا متوترا، يسعى إلى تعويض الهامشية السياسية التاريخية عبر تضخيم الذات السلالية وإلغاء المخالف على كل المستويات.

الإمامة كأساس للشرعية والإيمان
يرفع الرسي مفهوم "الإمامة" إلى مقام التوحيد والنبوة، ويجعل الإيمان بها شرطا للنجاة الأخروية. يقول:
"ولاية أمير المؤمنين علي فرض من الله رب العالمين، ومن أنكر إمامته فقد ردّ كتاب الله، وهو عند جميع المسلمين كافر" (الأحكام، 1/24–26)
ويمتد هذا الاعتقاد إلى حسن وحسين ثم ذريتهما، حيث يؤكد أن الإمامة لا تجوز إلا في نسلهم، وأنها اصطفاء إلهي لا يشارك فيه الناس بالرأي أو البيعة (الأحكام، 1/29؛ 2/386).
وبهذا يُصبح رفض الإمامة خروجا عن الدين، لا مجرد اختلاف فقهي، وتُبنى على هذا الرفض تبعات بالغة: الكفر، والفسق، والإقصاء، بل واستباحة الدم.

المخالف كهدف شرعي للعقوبة والقتل
في هذا السياق، يتحول المخالف إلى فئة باغية يجوز قتالها، فيُحدّد الرسي أسباب القتل المشروع بثلاثة: الزنا بعد الإحصان، القتل العمد، وإنكار الإيمان – الذي يُقصد به تحديدًا رفض الإمامة (الأحكام، 2/222).

ويقول بوضوح: "من قاتلنا فقد حل لنا دمه وماله ودياره" (مجموع الرسائل، 632)
ومن هنا، تُصبح الحرب على اليمنيين الذين رفضوا بيعته جهادا مقدسا، بل يشترط الرسي الإيمان به كإمام لقبول العبادات من صلاة وصيام، ليصل الى: " من مات دون بيعته، فقد مات ميتة جاهلية" (الأحكام، 2/393، 400، 604).

منظومة التمييز الطبقي باسم النسب
تحوّلت الإمامة في خطاب الرسي من كونها مبدأ دينيا إلى أساس لشرعنة امتياز طبقي عنصري، فـ"العترة" – بحسب رؤيته – ليسوا مجرد فئة صالحة، بل: قرناء القرآن (أصول الدين، ص106) و أهل الذكر وخزنة الوحي، وورثة الأنبياء والمصدر الحصري للعلم والشرع

ويُخصّص لهم: حق الخُمس والفيء (الأحكام، 2/414–415)، ويُحرّم عليهم الصدقات باعتبارها "أوساخ أيدي المسلمين" (الأحكام، 1/174)، وتُفضّل موائدهم على سائر الموائد (الأحكام، 2/334)
ثم يربط النجاة الأخروية بموالاتهم، في حين يُحكم على من خالفهم بالهلاك والنار، حتى وإن صلى وصام (الأحكام، 2/483).

ملاحظات منهجية ختامية
يقوم خطاب يحيى الرسي طباطبا على مركزية السلالة بوصفها المصدر الوحيد للشرعية الدينية والسياسية، ويُقصي المخالفين بالتصنيف، ثم التكفير، ثم الاستباحة.
يستخدم الرسي التفسير التعسفي للنص لتبرير هذا التمييز، ويُعاد إنتاج طبقية مقدسة يُمنح فيها "آل البيت" المزعوم كل الحقوق، ويُحرم سائر الناس من كل شيء، وهو ما سار عليه أئمة الزيدية وعلماؤها من بعده.

ثم إن الرسي يُضفي على نفسه ومشروعه السياسي طابعا نبويا، ويُطالب الناس بطاعته كما يُطاع الرسول، ويعتبر قتال من خالفه جهادا، ويمنح نفسه الحق في ضرب أعناقهم وسلب أموالهم (مجموع الرسائل، 632؛ سيرة الهادي، ص112).

إن ما نراه اليوم من استباحة للدم، ونهب للثروات، وتكفير سياسي من قِبل جماعة الحوثيين، ما هو إلا امتداد حرفي لفكر الرسي، ومذهبه الزيدي الهادوي، إذ أعادوا إحياء هذا التراث بكل ما فيه من عنف وإقصاء واستعلاء.

خاتمة
"خطاب الدم والتكفير" عند يحيى الرسي طباطبا ليس أثرا تاريخيا مندثرا، بل جذر حيّ يُعاد تفعيله اليوم في الواقع اليمني، ومحاربة هذا الفكر لا يقل أهمية عن أي معركة عسكرية أو سياسية، لأنه يهدد حاضر اليمن ومستقبله من الداخل، ويُكرّس للانقسام والطبقية والقتل باسم الدين.
إن تفكيك هذا المشروع وتجريمه، وكشف منطقه الداخلي، ضرورة ثقافية ووطنية، ولا يمكن لليمن أن يتعافى دون مواجهة هذا الفكر واجتثاثه من الجذور.