محافظ البنك، المتفرج على انهيار الوطن!

(147 مؤسسة بلا رقابة و1 محافظ بلا قرار)
في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه المهزلة ببدلة رسمية، يخرج محافظ البنك المركزي في عدن ليبشر الشعب اليمني بأنه لا يعرف أين تذهب إيرادات 147 مؤسسة حكومية.
وكأن هذا التصريح ليس إعلانا رسميا عن فشل الدولة، بل انجازا يستحق عليه وسام الشفافية المتأخرة!
ثم يضيف الرجل بكل فخر: "لو تم جمع الإيرادات، لأمكن دفع رواتب كل موظفي الدولة." هههههههههههه
طيب شكرا على المعلومة، لكنها تشبه تماما أن يخبرنا الحانوتي أن الميت كان يمكن إنقاذه لو أعطيناه الأوكسجين، بعد دفنه.!
والسؤال هنا ليس "أين تذهب الإيرادات؟"، بل "من يذهب بها؟". والإجابة معروفة ومحفوظة عند كل طفل يمني قبل الكبير: تلك المؤسسات تتبع نافذين في الشرعية، وبعضها يعمل كواجهات لأجندات خارجية، تفشل كل إصلاح وتحبط كل محاولة تنفس في جسد الاقتصاد الميت سريريا.
لكن مهلا، من منحهم هذه التسهيلات؟ من سكت كل هذه السنين عن العبث بالإيرادات؟ من سمح بتحول البنك المركزي من قلب النظام المالي إلى مجرد شاهد زور على جريمة منظمة؟ أليس هو نفسه المحافظ، الذي يفترض أن يكون حارسا على المال العام لا بوابة لصالات النهب الرسمي؟
لكن تصوروا هذا المشهد السريالي: في دولة محترمة حتى من تلك الدول "أبو " كما تقول العامة – لو أعلن محافظ بنكها المركزي أن 20% من المؤسسات لا تورد للبنك، لقامت الدنيا ولم تقعد، واستقالت الحكومة، واعتذرت الدولة، وتم إعلان خطط حازمة للمحاسبة.
أما عندنا، فالتصريحات صارت نوعا من فنون الكوميديا السوداء، ننتظرها كما ننتظر المسلسلات الرمضانية: لنعرف كم تبقى من الوطن لم يُنهب بعد.
والأنكى أن المسؤول يخرج ليتحدث باستعلاء، أو بغباء وكأنه يشكر الشعب على صمته وخنوعه وصبره العجيب. ولا غرابة، فشعب ما زال يسكت بعد كل هذا الانكشاف للفساد، إما مخدر أو مكسور أو مغلوب على أمره، ولا عزاء في تويتر وفيسبوك، سوى بعض "الهاشتاجات" التي تموت بعد 48 ساعة.
لكن المشكلة ليست فقط في المؤسسات التي لا تورد، بل في دولة فقدت حياءها قبل أن تفقد سيطرتها. دولة تنهبك، وتُفقر أطفالك، ثم ترسل لك تصريحا رسميا لتقول لك: نعم، نعلم أننا نسرق، فما الجديد؟
فإذا كانت الدولة عاجزة عن ضبط هذه المؤسسات، فلتعتذر، أو لتغادر. أما أنت، يا سعادة المحافظ، فإن لم تستطع أن تحمي البنك المركزي وتحوله إلى سلطة سيادية حقيقية، فالاستقالة أشرف لك من التماهي مع الجريمة.
فيما السكوت لم يعد ذهبا، بل أصبح شريكا في الجريمة.